اغتيال هيثم الطبطبائي يعمق مأزق «حزب الله»
طهران تتخوف من الضربة المقبلة وتنتظر زيارة مسؤول سعودي
شيّع «حزب الله» أمس رئيس أركانه هيثم الطبطبائي، الذي اغتيل في غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، ليجد الحزب نفسه أمام حادث قد يعمّق مأزقه في ذروة الضغوط الداخلية والخارجية لنزع سلاحه. فقد وضعه الاغتيال بين خيارين أحلاهما مُرّ: الردّ، بما يستدرج ضربة إسرائيلية أقوى تزيد خسائره وتفاقم الضغوط عليه، أو عدم الرد، بما يعمّق صورته كعاجز ومنهزم.
ورغم هذا الانكفاء، صعّدت إسرائيل تهديداتها بعملية واسعة في لبنان قد تنطلق قبل نهاية العام، في وقت تتعامل فيه طهران مع مؤشرات متزايدة على اقتراب جولة ثانية من المواجهة مع إسرائيل بعد حرب ال 12 يوماً في يونيو الماضي. ويتقاطع كل هذا مع ترقّب إيراني لزيارة سعودية رفيعة، لاستكمال ما جرى بحثه بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن بشأن إحياء المسار التفاوضي حول البرنامج النووي الإيراني، وما قد يحمله ذلك من تداعيات مباشرة على لبنان.
وفي كلمته خلال التشييع، قال رئيس المجلس التنفيذي ل «حزب الله» علي دعموش، إن الاغتيالات لن تغير موقف الحزب، مضيفاً أنه «من واجب الدولة حماية مواطنيها وسيادتها، وعلى الحكومة وضع خطط لذلك، ورفض الإملاءات والضغوط الخارجية».
ونقلت وكالة «فرانس برس»، عن مصدر قريب من الحزب، أن قيادة الأخير تميل إلى عدم الرد عسكرياً. وقال المصدر إن هناك رأيين داخل الحزب «من يفضّل الرد، ومن يريد الامتناع عنه، إلا أن قيادة الحزب تميل إلى اعتماد أقصى أشكال الدبلوماسية في المرحلة الراهنة».
في المقابل، كشفت «القناة 12» العبرية، أن تل أبيب نقلت رسالة للحزب وحكومة لبنان مفادها أن إطلاق أي صاروخ سيؤدي لرد إسرائيلي غير متناسب، مشيرة إلى أن أجهزة الأمن لا تستبعد الرد من سورية أو حدود الأردن، أو تنفيذ عملية ضد إسرائيليين بالخارج.
وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن «الجيش قرر وضع منظومة الصواريخ الدفاعية في شمال إسرائيل على أهبة الاستعداد»، في حين بدأ الجيش مناورات مفاجئة على مستوى القيادة العليا في هيئة الأركان العامة بمناطق الجليل الشرقي لمحاكاة التعامل مع اندلاع حرب، وكيفية إدارة الأزمة.
ووسط تخوف لبناني من عملية إسرائيلية تأتي من ناحية الشرق، أشرف على المناورات رئيس الأركان إيال زامير الذي بدأ باختبار مفاجئ لجاهزية «الفرقة 210» المسؤولة عن مرتفعات الجولان السوري المحتل، والمناطق التي احتلتها إسرائيل في سورية، لمحاكاة حدث أمني متدحرج على هذه الجبهة.
بدورها، نقلت «يديعوت أحرونوت» تحذير الجيش الإسرائيلي من أن تعزيز «حزب الله» لقوته قد يفرض عليه اتخاذ إجراء استباقي مع توسّع الغارات البرية في عمق لبنان، في حين قال مصدر أمني إسرائيلي إن «جولة الإضعاف» لحزب الله يجب أن تُنجز قبل نهاية العام الجاري.
ودانت الخارجية الإيرانية وشخصيات من طهران عدة اغتيال الطبطبائي، وهو من والد إيراني وأم لبنانية.
وأضاف ذلك بعداً إقليمياً على الرسالة الإسرائيلية من اغتياله، وكان لافتاً تعليق السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني الذي أشار إلى أن «هناك إمكانية لعودة الحرب مع إسرائيل، وإيران مستعدة لأي رد”.
إلى ذلك، كشف مصدر مطلع في وزارة الخارجية ل «الجريدة»، أنه من المنتظر أن تزور طهران، شخصية سعودية رفيعة، قد يكون وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، لإطلاع الإيرانيين على فحوى المشاورات التي أجراها ولي العهد السعودي مع الرئيس ترامب في واشنطن، حول استئناف المفاوضات النووية الإيرانية. وكانت «الجريدة» أول من كشف عن مبادرة خليجية للوساطة بين طهران وواشنطن سيحملها بن سلمان إلى الأخيرة.
وقال المصدر إن طهران أُبلِغت من واشنطن، موافقة ترامب على لعب السعودية ودول الخليج دور الوسيط والضامن للمفاوضات النووية، وأن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي زار عُمان، أمس، أجرى نقاشات بهذا الشأن، لاسيما أن واشنطن لا تزال تصر على أن تكون المفاوضات مباشرة، وهو ما يتردد الإيرانيون في قبوله حتى الآن.
وبينما أعلن عن زيارة لعراقجي إلى باريس غداً، كشف المصدر ل «الجريدة» أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف بعث برسالة نصية لعراقجي تتضمن الخطوط العريضة للشروط الأميركية في أي مفاوضات مقبلة بين الجانبين، بما في ذلك تعليق البرنامج النووي، وتقييد إنتاج الصواريخ البالستية والمسيّرات، ووقف تمويل الميليشيات ومنع التحركات المعادية لإسرائيل.