وجهة نظر: المسؤولية القانونية للإدارة عن فشل المشاريع
• متى يُسأل المدير ومتى يُعد مخاطرة تجارية مشروعة؟!
قد تكون هناك مشاريع استثمارية واعدة يراها المدير فرصة لنمو الشركة وتحقيق أرباح جيدة تتطلب منهم اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة، ولكن مهما كانت هذه القرارات مدروسة تظل معرّضة للفشل نتيجة ظروف السوق أو عوامل خارجية، فإذا فشل المشروع وتحققت الخسارة، فهل هي مجرد مخاطرة تجارية مشروعة لا ترتب أي مسؤولية؟!
الحقيقة أن هناك حدا فاصلا بين الإدارة الحسنة التي تستفيد من هامش المخاطرة المقبول وبين الإدارة السيئة التي تنطوي على إهمال وتجاوز للصلاحيات.
كل النصوص القانونية المتعلقة بإدارة الشركات بجميع أنواعها تتفق على أن الخطأ في الإدارة والإهمال وسوء الإدارة وتجاوز السلطة والرعونة وعدم الحيطة والحذر ومخالفة القانون وعقد الشركة، ترتب المسؤولية.
ومن صور الخطأ الإداري اتخاذ قرارات جوهرية عشوائية من دون دراسات كافية أو تقارير مالية أو فنية، أو تجاهل التحذيرات أو المؤشرات المالية السلبية رغم وضوحها والاعتماد على معلومات غير موثوقة أو غير مدققة، وبالطبع من أهم أسباب المساءلة مخالفة سياسات الحوكمة وعقد الشركة وتجاوز الصلاحيات، ومن الأمثلة الواقعية أن المحكمة قضت بمسؤولية مجلس الإدارة، لأنّ القرار تم اتخاذه دون دراسة كافية، وكان بالإمكان تفادي الضرر بمعلومات متاحة للجمهور.
وفي حكم آخر، قضت المحكمة بإبطال العقد وإلزام المدير بالتعويض، لأنّ القرار اتُّخذ بغرض منفعة شخصية وليس بناء على مصلحة الشركة، وكان العقد بأسعار أعلى من سعر السوق.
ومن جانب آخر، فإنه يجب أن يترتب على القرار الخاطئ الذي تتخذه الإدارة وقوع ضرر فعلي على الشركة أو الشركاء، وقد يكون هذا الضرر في صورة خسائر مالية أو التزامات تعاقدية مضرّة أو فقد فرص استثمارية مهمة، أو تحمُّل الشركة غرامات مالية أو جزاءات تنظيمية.
ومما لا شك فيه أن هذا الضرر الذي يصيب الشركة يجب أن يكون بسبب هذا الخطأ في الإدارة، وهو ما يسمى بلغة القانون وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر.
ولكن ليس كل فشل للمشروع يسبب المسؤولية، فهناك مخاطرة تجارية مشروعة، إذا أثبتت الإدارة أنه اتخذ القرار بعد دراسة كافية وبحسن نية ولمصلحة الشركة، فإذا كان المدير حسَن النية واعتمد على معلومات وتقارير مهنية كدراسات جدوى وتقارير المستشارين والبيانات المالية المدققة وتقييمات للمخاطر، ولم يكن مستفيداً، ولم يكن هناك تضارب مصالح، واتخذ المدير قراره كتقدير رجل الأعمال الحصيف، فإن مجرد فشل المشروع لا يكفي لإثبات الخطأ.
(حكم تمييز – عدم مساءلة الإدارة عند وجود دراسة جدوى، أو استعانت ببيانات مالية صحيحة وحصلت على استشارات خارجية واتُخذ القرار بحسن نية حتى لو تحقق خسارة لاحقاً).
وقد تكون خسارة المشروع لأسباب أجنبية خارجة عن سيطرة الإدارة، مثل هبوط طارئ للأسعار كان غير متوقع، أو كان فشل المشروع بسبب تغيّرات في سلوك المستهلكين وظهور منافس عالمي مفاجئ، أو تغييرات في بيئة العمل، كل ذلك يعتبر أسبابا أجنبية لا يد للإدارة فيها وتمنع عنها المسؤولية.
في النهاية، فإن الفشل التجاري لا يعني بالضرورة خطأ ينسب للإدارة، فيجب التوازن بين الابتكار وبين حماية أموال المساهمين، وبالتالي لا يُسأل المدير إلّا إذا ثبت الإهمال أو مخالفة القانون أو وجود مصلحة شخصية، فعندما تكون القرارات مدروسة وبحُسن نية، فإن الخسارة تظل جزءاً طبيعياً من المخاطر التجارية.