لاهوب الصيف وغباره ومرضى السكري
تسجّل الكويت بشكل متكرر درجات حرارة تُعد من الأعلى عالمياً، كما تُعد العواصف الترابية والغبار جزءاً ثابتاً من ملامح مناخنا. نحن نعيش هذه الفصول المتقلّبة وكأنها جزء ثابت من يومياتنا، من صيفٍ يمتد طويلاً إلى موجات غبار تأتي بلا موعد. لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن هذه الظواهر المناخية ليست مجرد حالة طقس مزعجة بل تمتد آثارها مباشرة إلى صحة السكان لا سيما من يعانون من المشاكل الصحية المزمنة ومنهم مرضى السكري.
في إحدى الدراسات المحلية التي قادها الصديق العزيز د. براك الأحمد بمشاركة معهد دسمان للسكري ووزارة الصحة وجامعة هارفارد ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، تم الكشف بوضوح عن العلاقة المقلقة بين ارتفاع درجات الحرارة والعواصف الترابية من جهة، وازدياد معدلات دخول مرضى السكري إلى المستشفى من جهة أخرى. هذه النتائج ليست مجرد أرقام عابرة، بل رسالة واقعية حول المخاطر التي قد نتعامل معها يومياً دون أن نعيها. تصنف حرارة الطقس المرتفعة كعامل ضغط داخلي على الجسم، فهي تضعف قدرة الجسم على تنظيم مستوى السكر وتزيد من سرعة الجفاف. والجفاف بحد ذاته قادر على رفع مستويات السكر في الدم. كما أن التعرّض الطويل للحرارة يربك التوازن الحراري للجسم وقد يؤثر على فاعلية الإنسولين مما قد يؤثر سلباً على التحكم بالسكر. أما الغبار، فهو لا يقل خطورة. الجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء تدخل عميقاً إلى الجهاز التنفسي، وقد تساهم في تفاقم الالتهابات التي تؤثر بدورها في التوازن الأيضي. وعندما يواجه الجسم التهاباً، يرتفع مستوى بعض الهرمونات التي تكسر توازن السكر، فيرتفع مستوى الغلوكوز. هذا التفاعل قد يفسّر جانباً من الزيادة الملحوظة في معدلات مراجعة الطوارئ خلال أيام الغبار الشديد لمرضى السكري. الدراسات الميدانية في الكويت أوضحت أيضاً أن الجمع بين عاملين: الحرارة العالية + الغبار الشديد، له تأثير تراكمي، أي أن الخطر لا يتضاعف فقط، بل قد يتفاقم لأن الجسم يواجه أكثر من ضغط في الوقت نفسه. وهذه النقطة تحديداً تجعل مرضى السكري فئة تحتاج إلى انتباه مضاعف خلال الفترات التي يجتمع فيها هذان العاملان. في النهاية، المناخ عنصر ثابت في حياتنا لا يمكن تغييره، لكن يمكن التعامل معه بوعي يقلل أثره، خصوصاً على المرضى مثل مرضى السكري. إن فهم العلاقة بين الحرارة والغبار ومستويات السكر ليس ترفاً معرفياً، بل خطوة عملية لحماية الصحة في بيئة نعرف طباعها جيداً. ومهما اشتدت الحرارة وهبّت العواصف، تظل الكويت في عيوننا وطناً نحبه كما هو، نزداد به اعتزازاً كلما اشتدت علينا الأيام، ونبقى قادرين دائماً على اتخاذ الخطوات التي تصون صحتنا وتحسّن جودة حياتنا.