حتى لا نخطئ العدو الحقيقي

نشر في 23-11-2025
آخر تحديث 22-11-2025 | 19:53
 د. محمد المقاطع

أتذكر حينما كنّا شباباً في مقتبل العمر عام 1978، ذهبنا مجموعة من طلبة كلية الحقوق جامعة الكويت إلى باريس، وحينما نزلنا مطار شارل ديغول، وبعد أن أخذنا الحقائب، ذهبنا للفندق، وهناك واجهنا بعض الأشخاص وقالوا لنا: «هل ترغبون في لقاء الخميني، نستطيع أن نرتب لكم موعداً معه»، ضحكنا وقلنا: «طبعاً لا». 

ذهبت الأيام ومرّت بعض الشهور، وإذا بنا نرى الأشرطة التي تنتشر كالشرر في الهشيم تحمل خطباً متعددة للإمام الخميني في باريس، وبعد بضعة أشهر إذا به على متن طائرة للخطوط الفرنسية يصل إلى إيران، ليتوّج مع قيام تلك الثورة التي أطاحت شاه إيران، وكان المحرّك لها تلك الخطب التي كان الخميني يخطبها وتوزع بين الإيرانيين، لكن اللافت أن من قام بالترتيب لذلك هي باريس، وقيام فرنسا بترتيب ذلك ليس لإعانة الشعب الإيراني ضد ظلم الحاكم آنذاك، بل كان ذلك جزءاً من مخطط كامل لفرنسا وللغرب ولأميركا، لغرس نظام جديد في المنطقة يؤدي إلى خلل باستقرار منطقتنا العربية، وهو ما حصل، حيث إن هذه الثورة أوجدت «بُعبعاً» جديداً يهدد المنطقة ويُشعر أنظمتها بالخطر القادم الجديد، وهو إيران الشيعية الفارسية، التي لها عداء تقليدي مع المسلمين السنّة والعرب خصوصاً. 

وما إن قامت هذه الثورة حتى بدأت الجهود العربية في استنفار المنطقة كي تتضافر وتتوحد في مواجهة النظام الجديد بإيران، وتم نسيان العدو الحقيقي، وهو الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين، وتم هذا السيناريو المرسوم والمدبر الذي جاء بطريقة ذكية خلال عدة سنوات، ولأهداف محددة وغايات تتحقق.

وهكذا فقد سعّرت المنطقة لتتأهب لمواجهة الخطر الجديد الذي هو خطر هامشي من خلال قيام الحرب العراقية - الإيرانية، وحرب الاستنزاف الكاملة للعراق كدولة كبيرة التسليح وقوية الجيش، ومعها الدول العربية المحيطة التي ساندت هذا الجهد، وهنا تحقق المطلوب، وهو أن تتوجه الجهود للحروب في مواجهة العدو الجديد، حتى يقوم العدو التقليدي والخطير، وهو الكيان الصهيوني، بإعادة ترتيب أوضاعه بهدوء، والاستعداد للمرحلة القادمة، وهكذا عاش الكيان الصهيوني مرحلة هدوء وبناء وتكريس لقواته وقدراته من سنة 1978 وحتى سنة 2010، وخلال هذه الفترة عملت اتفاقيات ومعاهدات السلام، ففي عام 1978 عقدت اتفاقية كامب ديفيد حتى تكون طريقاً ممهداً لإعطاء الكيان الصهيوني استقراراً أكبر، ومنع نشوب الحروب في مواجهته، وهو ما حدث بكل أسف، وهكذا يتكشف أمامنا مخطط خبيث سارت عليه المنطقة لإعطاء هذا الكيان كل ما يمكن من إمكانات وتسليح وقدرات وهدوء، حتى يبني ما بناه وما نراه اليوم، والذي ظهرت آثاره عام 2010 حتى يومنا هذا. 

وها نحن اليوم نعيش بخطة مماثلة «صفقة القرن»، أو ما يسمّى بالشرق الأوسط الجديد، الذي يمنح من خلاله هذا الكيان تمكيناً أوسع، بعد أن تم تكسير الدول، العراق في حربه ضد إيران، وفي إطاحته بسبب غزوه للكويت، وهو ما أوجد العراق في دوامة الفوضى والضعف والتكسّر والاسقطابات الطائفية والنهب للثروات، وأضعفه وجعله كياناً هشّاً، الأمر نفسه صارت عليه سورية واليمن، وتم إضعافهما وتكسيرهما من خلال ما سُمّي بتنظيم الدولة و»داعش»، وغيرهما من اللافتات، التي صنعها الغرب مع «الموساد» الصهيوني لأجل تكسير سورية، وهو ما تم، وكذلك في لبنان.

كما أُجبر الأردن على توقيع اتفاقية وادي عربة لتأمين ضمانات أوسع لهذا الكيان الصهيوني، وكذلك تم الأمر بالسماح لإيران ببسط نفوذها على سورية واليمن والعراق، بما يؤدي إلى إشعال المنطقة بطريقة أخرى، ومنذ ذلك الحين الذي بدأت فيه هذه الثورة المصطنعة، التي رسمها الغرب والتي سيقوم الغرب بإنهائها، كما نراها اليوم، بعد أن انتهى منها وتحقق المقصود والمراد من إيجادها، وهو ما أعطى الكيان الصهيوني قوة وتفوقاً، بعد أن دُمرت الدول العربية، العراق وسورية واليمن وبقية الدول، وأصبح المحيط بما يُعرف بدول المواجهة، هو عبارة عن محور هش في مواجهة الكيان الصهيوني الغاشم، وارتبطت الدول الأخرى باتفاقيات أدت إلى تكبيلها، وسارت عربة التطبيع، منذ ذلك بدأت حكاية تدمير غزة، التي كان الهدف منها إجلاء الفلسطينيين وإنهاء وجودهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو مسلسل ومخطط خبيث وكبير، ولكن هيهات له أن ينجح.

back to top