أنشأها السالم وأنقذها «الحزم»
لعل الكثيرين لا يعرفون أن انضمام الكويت للأمم المتحدة والاعتراف باستقلالها لم يكن سهلاً، لولا مقتل أول رئيس وزراء عراقي بعد الملكية، عبدالكريم قاسم!
فبعد إعلان الكويت استقلالها 19 يونيو 1961 وإلغاء معاهدة الحماية البريطانية في عهد «أبو الدستور» والدولة الحديثة الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، وبعد مرور ستة أيام فقط على الإعلان، بدأت تهديدات قاسم وادّعاؤه الكاذب أن الكويت تابعة للعراق، فاستدعى الشيخ عبدالله السالم القوات البريطانية فوراً، التي استجابت في عملية عسكرية سُميت «فانتاج»، ولننضم إلى الجامعة العربية بعد شهر من استقلالنا.
وهنا لا بُد أن نتوقف لنُشيد بحكمة هذا الرجل، بعد أن تمعنّا بقراءة متأنية للتاريخ العربي والإنكليزي خلال تلك الفترة، لنجد أن عبدالله السالم ضرب بكل شيء عرض الحائط لمصلحة الكويت وحمايتها، فالبرغم من أن تلك الفترة كانت مفعمة بالناصرية والقومية العربية المناهضة للاستعمار، بحيث لا يمكن أن يتناغم أو يتفق التدخل العسكري البريطاني بالكويت مع الدعم السياسي والعسكري العربي، فإن عبدالله السالم لم يعبأ بهذا التنافر والتضاد، وأدخل الجيش البريطاني إلى أراضيه فوراً لحماية بلده وشعبه، ثم التفت إلى العرب والعالم ليضع أمامهم شروطه التي لم تسمح بخروج الإنكليز إلا بعد دخول قوات أممية أو عربية، وبعد نحو أربعة أشهر دخلت قوات عربية. ولنا أن نتأمل هذه الحنكة السياسية التي أنقذت البلاد بالحماية قبل التفاوض، فردعت قاسم وجعلته يتراجع، ثم نقارنها بما حدث أثناء الغزو العراقي، حين تفاوضنا قبل الحماية، بينما كانت قوات صدام حاشدة لتغزونا لا محالة، بدعوى أنها «سحابة صيف» التي انقلبت إلى عاصفة غيّرت مجرى تاريخ الكويت السياسي.
وعَوداً إلى ما بعد حصولنا على الحماية في الأول من يوليو 1961، فقد تحوّل النزاع إلى مجلس الأمن، فاستخدم الاتحاد السوفياتي حق النقض (الفيتو) لدعم قاسم ضد استقلالنا، وبعد خمسة أشهر لم تعبأ الكويت ورفعت علمها الجديد في اليوم الذي يصادف غداً من نفس العام، وبعد أسبوع تقدّمت الكويت مرة أخرى بطلب انضمامها إلى الأمم المتحدة، فاستخدمت روسيا مجدداً حق النقض، واستمر فشل المشروع لأكثر من عام حتى قُتل عبدالكريم قاسم في فبراير 1963، فوافق مجلس الأمن على انضمام الكويت بعد أربعة أشهر، لتكون العضو 111. وبين ذلك وتلك كان هناك سيناريو لمؤرخ عراقي يدلل على أن ما فعله قاسم كان بإيعاز من بريطانيا التي أرادت أن تذكّر الكويت بحاجتها إلى نفوذها بعد استقلالها.
والأهم أننا لا يمكن أن ندع ذكرى سياسية لقامة عبدالله السالم إلا توقفنا عندها، وحتى الحزينة منها، إذ يوافق يوم غد من عام 1965 تاريخ وفاته، ولكن المصادفة أيضاً تأخذنا للمجرم قاسم الذي وُلد في مثل أمس الأول قبل مئة وأحد عشر عاماً.
لقد ارتكزت الدولة الحديثة لنحو ثمانية عقود على قطبين سياسيين مضى بين تقلُّد كل منهما للحكم أربعة وسبعون عاماً تجمعهما حنكة سياسية تطابقت من حيث عدم المساومة على أمن الكويت، فالأول، عبدالله السالم، صدّ عنها الغزو الخارجي في بداية نشأتها الدستورية، والثاني، أمير الحزم، أنقذها من الغزو الداخلي ليعيد إنشاءها خالية من «الشوائب» التي دمّرت بنيتها الاجتماعية والسياسية وأهدرت المال العام، غزو لم نكن يوماً نحلم أن نتخلص من رذائله التي ضربت جذورها، فاستولت وزوّرت وابتذلت الهوية الوطنية حتى كادت تردينا براثنه إلى الهاوية، لولا فضله تعالى... ثم «الحزم».
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.