أين كنتم عندما أُطلق النار على ويليام ماكينلي؟!
يعرف الأميركيون من جيلٍ معيّن تماماً أين كانوا يوم اغتيال الرئيس جون ف. كينيدي في 22 نوفمبر 1963. وكما تتذكر أجيال سابقة يوم بيرل هاربور عام 1941، تتذكر أجيال لاحقة أحداث 11 سبتمبر 2001.
هذه ذكريات تصنعها وسائل الإعلام الجماهيرية، ولهذا يبدو اغتيال كينيدي حاضراً في الوعي الأميركي—even لمن وُلد بعدها بعقود، رغم مرور 62 عاماً.
كنتُ في الثالثة عشرة حين قُتل كينيدي. صبياً لا يفهم الموت جيداً، لكنه يقرأ الصحف بشراهة في منزلٍ يهتم بالسياسة.
كنتُ طالباً في مدرسة خاصة بواشنطن تضم أبناء مسؤولين، بعضهم من إدارة كينيدي نفسها.
لم يمنحني ذلك معرفة خاصة بما جرى في ذلك اليوم، لكنه يفسر شظايا الذكريات التي لاتزال عالقة في ذهني.
أتذكر مصادفتي لابنة أحد أعضاء مجلس الشيوخ وهي تبكي بلا توقف.
وأتذكر رحلتي الطويلة على حافلة قديمة قطعت طريقها قبل وصولي إلى منزلي قرب المركز الطبي البحري الوطني في بيثيسدا، حيث طوّقت الشرطة المكان استعداداً لوصول جثمان الرئيس لإجراء التشريح.
لكن ما علق بذهني أكثر كان المشهد التلفزيوني مساء ذلك اليوم، فقد نفدت المحطات من المواد الإخبارية، فخطرت لها فكرة غريبة: إرسال مراسلين إلى دور المسنين لسؤال كبار السن عن آخر اغتيال رئاسي شهدته البلاد—اغتيال ويليام ماكينلي عام 1901.
المفارقة أن معظم من قابلهم المراسلون لم يكن لديهم شيء يُذكر، فاغتيال ماكينلي وقع قبل انتشار الراديو، وكثير منهم نشأ في مناطق ريفية يصل إليها الخبر متأخراً.
وحين سُئلوا إن كانوا يتفاجأون بحدوث جريمة كهذه في أميركا الحديثة، أجابوا بالنفي. كبار السن يميلون دائماً إلى اعتبار الحاضر غريباً ومُربكاً مقارنة بالماضي.
ولم يكن اغتيال ماكينلي في حينه صادماً كما نعتقد اليوم. كان مطلع القرن العشرين زمن الاغتيالات السياسية في أوروبا، وقد أسفر اغتيال ولي عهد النمسا عام 1914 عن اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وفي الولايات المتحدة، كان اغتيال ثلاثة رؤساء خلال 36 عاماً—لينكولن، غارفيلد، ماكينلي—أمراً يصعب تخيله اليوم، لكن لم يكن غريباً جداً آنذاك.
نبتعد الآن عن اغتيال كينيدي بنفس المسافة الزمنية التي كانت تفصل أولئك الشيوخ عن اغتيال ماكينلي.
ومع ذلك، بدا اغتيال ماكينلي لهم كأنه من زمنٍ سحيق، بينما يبقى كينيدي، بصورته وابتسامته و”كاميلوت” المحيطة به، حيّاً في الذاكرة الأميركية. عائلته لاتزال تتصدر الأخبار، حفيده جاك شلوسبرغ أعلن أخيراً ترشحه للكونغرس. حتى في واشنطن ترامب، لايزال لبعض أفراد عائلة كينيدي نفوذٌ بسبب الأسطورة التي خلفها الرئيس الراحل.
الفارق بين الرئيسين واضح: ماكينلي كان آخر رؤساء حقبة الحرب الأهلية، قليل الصور، باهت الحضور الإعلامي، أما كينيدي فكان أول “رئيس نجم” في العصر الحديث، حاضر في آلاف الصور والمقاطع. جاكلين كينيدي، التي تحولت إلى “جاكي أو”، أصبحت أيقونة ثقافية عمرها الإعلام أكثر من ثلاثة عقود بعد اغتياله.
ومن بعد كينيدي جاءت اضطرابات الستينيات وحرب فيتنام، ما جعل رحيله لحظة فاصلة في شبه وعي جماعي.
التاريخ غير عادل—كما قال كينيدي نفسه، فلكلٍ من ماكينلي وكينيدي محبّوه وناقدوه، لكن الذاكرة صنعت لأحدهما هالةً وللآخر ظلاً. العالم الذي عاشه ماكينلي لا يشبه عالمنا، بينما عالم كينيدي يشبهه كثيراً: التلفزيون، السرعة، السياسة كعرضٍ دائم.
والآن، وأنا في العمر ذاته تقريباً الذي كان عليه أولئك الشيوخ يومها، أفهم تماماً كيف يصبح الماضي فجأة مرآة للحاضر.
* مؤلف كتاب «مهندسو القوة: روزفلت، أيزنهاور، والقرن الأميركي».
* فيليب تيرزيان