هل ستتحوَّل الأرض إلى سجن كبير؟

نشر في 23-11-2025
آخر تحديث 22-11-2025 | 19:31
 إبراهيم حامد العاسمي

في مشهدٍ فضائي مكتظ وغير مسبوق في تاريخ البشرية، يجوب الفضاء اليوم ما بين 12 و13 ألف قمر اصطناعي نشط، منها 8200 قمر تتبع لشركة ستارلينك وحدها، وتشكل اليوم أحد أعمدة الاتصالات الحديثة في العالم.

مع سباق التسلُّح الفضائي، واحتمال اندلاع حرب في الفضاء (روسية وصينية، مقابل أميركية وغربية)، فإن الأرض بالفعل قد تتحوَّل إلى سجن كبير... مُحاط بدرع من الحُطام، ومقطوع عن الفضاء الخارجي.

الفضاء، الذي حلمنا به فضاءً مفتوحاً للعلم والاكتشاف، قد يتحوَّل خلال سنوات إلى أخطر ساحة معركة عرفتها البشرية، وإذا لم تتفق القوى الكبرى على قواعد صارمة تمنع استهداف الأقمار، فإننا سنقترب خطوةً تلو أخرى من اللحظة التي يُصبح فيها الإنسان مُحاصراً في الأرض.

تقرير أصدرته وكالة أسوشيتد برس في 18 أغسطس 2025 كشف عن أن روسيا تسعى إلى تطوير سلاح نووي مضاد للأقمار الاصطناعية قادر على إطلاق نبضات كهرومغناطيسية في مدار منخفض. انفجار واحد على ارتفاع 400 كم فقط قادر على تعطيل 2460 قمراً اصطناعياً.

أول أساليب هذه الحرب، قد تكون من خلال إطلاق صاروخ من الأرض يستهدف قمراً اصطناعياً، كما فعلت روسيا عام 2021 في تجربة أسقطت خلالها أحد أقمارها القديمة، مخلفة 1500 قطعة حُطام. والخطير في هذا الهجوم، هو إمكانية انتشار الحُطام، ليصطدم بأقمار أخرى، فيدمرها، ويتناثر حطامها، لتشكل سلسلة تحطم كارثية تسمَّى متلازمة كيسلر. 

أما ثانيها، فهو الذي يعمل الروس على تطويره، بإحداث انفجار نووي ينشر موجةً كهرومغناطيسية قوية تعطل الأقمار الاصطناعية على مدى مئات الكيلومترات، بما فيها الأقمار الاصطناعية الروسية الموجودة في محيط الانفجار على مبدأ «عليّ وعلى أعدائي»، حيث تكفي موجة واحدة لتعطيل آلاف الأقمار دفعة واحدة.

وثالثها، هو الهجمات الليزرية عالية الطاقة، حيث تُعد الصين الأكثر تقدُّماً في هذا المجال، وتتم بإطلاق شعاع ليزر قوي من قواعد أرضية أو من غواصات يعطِّل مستشعرات الأقمار، أو يحجب إشاراتها لدقائق عدة.

ورابعها، الذي يعطِّل شبكات الأقمار الاصطناعية من دون إطلاق رصاصة واحدة، فهو الهجمات الإلكترونية، التي تخترق المحطات الأرضية، وتعترض البيانات، وتشوش على إشاراته، وتنتحل هوية الأقمار الاصطناعية، إضافة إلى هجمات رفض الخدمة (DDoS) عن بُعد.

وتتعرَّض شبكة ستارلينك، التي تمثل أكثر من نصف الأقمار العالمية، إلى نحو 20-30 هجوماً يومياً، يتصدَّى لها نظام تشفير كمّي معقد (طوَّرته الشركة)، ويُعد أحد أقوى أساليب الحماية في العالم، لصعوبة اختراقه، وقُدرته على تغيير نمط التشفير بشكلٍ لحظي عند الإحساس بالخطر.

والسؤال المخيف: ماذا لو اندلعت حرب فضائية كبرى، وأصبح العالم بلا أنظمة ملاحة، وتحويلات مصرفية، وطيران آمن، واتصالات دولية، وبلا شبكات إنترنت في المناطق النائية؟

وفي الوقت الذي سيهيم حطام الأقمار المستهدفة حول الأرض ليشكِّل قبةً أو درعاً من النفايات الفضائية تجعل إطلاق أي قمر اصطناعي مغامرةً قاتلة، سيُصبح الإنسان حبيس الأرض في سجن صنعه بنفسه.

*كاتب سوري مقيم في كندا

back to top