الخدمة المدنية في الكويت... منظومة مُعطَّلة تُعيد إنتاج الأزمة بدل حلِّها

نشر في 23-11-2025
آخر تحديث 22-11-2025 | 19:29
 ضاري المير

السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح من دون مجاملة: هل تعمل الخدمة المدنية في الكويت بالشكل الصحيح؟ الإجابة الصريحة: لا، وبشكل فادح. فالخدمة المدنية في وضعها الحالي لا تنظِّم سوق العمل، ولا تربط التعليم بالاحتياج، ولا تضع رؤية، ولا تملك خطة مستقبلية. هي جهاز إداري ضخم، لكنه عاجز عن أداء دوره الأساسي.

بل أصبحت اليوم أحد أهم أسباب تشويه سوق العمل، وضياع مُخرجات التعليم، وارتفاع البطالة المقنَّعة في الدولة. 

المؤسسات الحكومية تتوسَّع في التعيين بلا دراسة، وتفتح شواغر لمجرَّد تهدئة الرأي العام، وتستجيب لضغوط لا علاقة لها بالتنمية. كل هذا يُنتج موظفين بلا مهام، وإدارات مكتظة، وأجوراً تُصرف بلا إنتاجية. وفي المقابل، قطاعات حيوية تبحث عن كفاءات لا تجدها، لأن أحداً لم يربط بين ما ندرسه وما نحتاجه. 

هذا الخلل لم يَعُد مجرَّد خطأ إداري، بل هو خلل بنيوي يهدِّد مستقبل العمل في الكويت. 

المشكلة رقم 1: غياب التخطيط الحقيقي، فلا يوجد اليوم بشكلٍ فعلي جهاز يحدِّد احتياجات الدولة خلال السنوات القادمة. كم نحتاج من المهندسين؟ وكم نحتاج من الأطباء؟ وما التخصصات التي ستختفي؟ وما الوظائف الجديدة التي سيتطلبها الاقتصاد؟ لا إجابة. 

الخدمة المدنية لا تعرف، ولا تعلن، ولا تخطط. هي فقط تستقبل الأرقام، وتوزِّع الوظائف من دون أي رؤية أو تحليل. 

المشكلة رقم 2: تدمير العلاقة بين التعليم والسوق، جامعات ومعاهد تضخ آلاف الخريجين كل عام في تخصصات متشابهة، مشبَّعة، وبعضها بلا قيمة حقيقية في سوق العمل الحديث. 

المفترض أن الخدمة المدنية توجه السياسات التعليمية، لكن الواقع أنها صامتة، غائبة، ومتأخرة عن الزمن. والنتيجة: شباب ينتظرون وظائف غير موجودة، ودولة تبحث عن مهارات غير متاحة. 

المشكلة رقم 3: القطاع الخاص خارج اللعبة، حيث يصرخ من نقص العمالة الماهرة، لكن الخدمة المدنية لا تبني جسراً بينه وبين التعليم. 

القطاع الخاص يحتاج إلى مهارات تقنية ورقمية ومهنية، لكن التعليم يخرِّج تخصصات نظرية، والخدمة المدنية تفتح وظائف حكومية لا تحتاج لها الدولة. هكذا تُخلق بطالة مُصنّعة، وهدر ضخم للطاقات والمال والوقت. المطلوب الآن: إصلاح جذري، وليس ترقيعاً. لا نحتاج إلى قرارات شكلية، ولا حملات إعلامية، بل إلى تغيير فلسفة الخدمة المدنية بالكامل: 

• تحويلها إلى جهاز تخطيط، لا «مكتب تعيين». • وضع مؤشرات واضحة ودورية لسوق العمل. • ربط التعليم فعلياً بالاحتياج الحقيقي. • وقف التوظيف العشوائي والسياسي. • إجبار الوزارات على إعلان خططها الوظيفية بشفافية. • دعم التدريب المهني والتطبيقي قبل التوظيف. • إشراك القطاع الخاص كمكوِّن رئيسي في تحديد الاحتياجات. 

الخلاصة، الخدمة المدنية اليوم لا تعمل كما يجب، ولا تُواكب التحديات، ولا تحمي السوق من التضخم الوظيفي. استمرار الوضع كما هو يعني المزيد من البطالة المقنَّعة، والمزيد من التخبُّط، والمزيد من هدر الموارد والطاقات الوطنية. 

وبكل صراحة: إذا لم يتم إصلاح الخدمة المدنية جذرياً، فلن يتغيَّر شيء في سوق العمل، مهما تغيَّرت الحكومات، ومهما صدرت.

back to top