مهلة ترامب تضع أوكرانيا أمام أصعب خيار: «خطة ال 28 بنداً»... أو فقدان دعم واشنطن
معارضة في «الكونغرس» للمقترح الأميركي: يكافئ بوتين
يسعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومعه الشركاء الأوروبيون، إلى احتواء التداعيات السياسية للخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب المستمرة بأوكرانيا منذ نحو أربعة أعوام، في ظل ضغوط مباشرة يمارسها البيت الأبيض على كييف لتقديم موقف حاسم من المقترح قبل 27 الجاري.
وتندرج هذه المساعي ضمن محاولة لتفادي صدام مفتوح مع إدارة ترامب التي تتبنى نهجاً أكثر تصعيداً وتشدداً تجاه كييف والاتحاد الأوروبي، بما قد يتيح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين التموضع استراتيجياً على مسار واحد مع واشنطن، وهو ما تعكسه ديناميات المشهد الراهن.
شروط قاسية وتهديدات
وبموجب الخطة المؤلفة من 28 بنداً، التي تستلهم خطة ترامب لوقف النار في قطاع غزة الفلسطيني، سيتم «الاعتراف» بمنطقتي لوغانسك ودونيتسك اللتين تشكلان ما يعرف بالدونباس في شرق أوكرانيا، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من جانب واحد عام 2014، «كأراض روسية بحكم الأمر الواقع»، بما في ذلك من قبل الولايات المتحدة.
كما «ستنسحب القوات الأوكرانية من الجزء الذي تسيطر عليه حالياً من منطقة دونيتسك»، ويتم «تجميد» خط التماس في منطقتي خيرسون وزابوريجيا الجنوبيتين اللتين تحتلهما موسكو جزئياً.
في المقابل، سيتعين على روسيا أن تتخلى عن جيوب صغيرة من الأراضي التي استولت عليها في منطقتي خاركيف ودنيبروبيتروفسك. وتحصل أوكرانيا وفق الخطة على «ضمانات أمنية موثوق بها»، على ألا يتجاوز «عديد القوات المسلحة الأوكرانية 600 ألف جندي» وإجراء انتخابات سريعة.
وبحسب الخطة، «توافق أوكرانيا على تضمين دستورها بنداً ينص على عدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي»، وكذلك «يوافق الناتو على عدم نشر قوات في أوكرانيا»، لكنها تلحظ «تمركُز طائرات مقاتلة أوروبية في بولندا» المجاورة والعضو في الحلف. وكان مسؤول أميركي قد أكد أن الخطة المقترحة تتضمن ضمانات أمنية من واشنطن وحلفائها الأوروبيين تعادل تلك التي يقدمها حلف الناتو في حال وقوع هجوم في المستقبل.
مفاوضات أميركية - أوكرانية في سويسرا... وقمة ترامب - بوتين تعود إلى الواجهة
وتتحدث الخطة عن إعادة إعمار أوكرانيا وتقديم حوافز اقتصادية لكييف وكذلك لموسكو. وذكرت «رويترز» أن الولايات المتحدة حذرت أوكرانيا من أنها قد تحد من المساعدات العسكرية إذا لم توقع على الخطة. ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن مصادر أن واشنطن أبلغت دولاً بحلف الناتو أن زيلينسكي سيواجه اتفاقاً أسوأ إذا لم يوقع اتفاق السلام المقترح.
الكرامة أو الشريك
وألمح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس الأول، إلى اتجاه واضح لرفض الخطة الأميركية، قائلاً في خطاب إلى الأمة إن أوكرانيا قد تواجه «خياراً بالغ الصعوبة، بين فقدان الكرامة أو خطر فقدان شريك رئيسي (في إشارة الى واشنطن)، بين البنود ال28 الصعبة أو شتاء قاسٍ للغاية».
وأضاف زيلينسكي أن بلاده تمر ب«واحدة من أصعب اللحظات في تاريخها»، محذراً من أن المقترح الأميركي ينذر ب«حياة بلا حرية، بلا كرامة، بلا عدالة»، وتابع: «سأقدّم الحجج، وسأقنع، وسأقترح البدائل»، مشدداً: «لن أخون أبداً... قسم الولاء لأوكرانيا».
غير أن الموقف شهد تحولاً لافتاً أمس، ففي وقت أشار موقع «أكسيوس» إلى أن كييف تحاول تجنّب الرفض القاطع للخطة، والانخراط بدلاً من ذلك في مسار تفاوضي مع واشنطن لتعديل الشروط التي تعدها غير مناسبة، أعلن رئيس مجلس الأمن القومي الأوكراني رستم عمروف أن كييف ستجري اليوم محادثات في سويسرا مع الولايات المتحدة لبحث خطة ترامب و«المعايير المحتملة لاتفاق سلام مستقبلي».
وبالتزامن مع المفاوضات الأميركية الأوكرانية اليوم، سيجتمع في جنيف مستشارو الأمن القومي الفرنسي والألماني والبريطاني والأميركي.
وتوازياً، أفاد مكتب الرئاسة الأوكرانية بأن زيلينسكي وافق على تشكيل وفد رسمي للمشاركة في مفاوضات مع كل من واشنطن وموسكو بشأن الخطة الأميركية، على أن يرأس الوفد رئيس المكتب الرئاسي أندريه يرماك، في إشارة واضحة إلى انتقال كييف من خطاب الرفض إلى مقاربة تفاوضية.
ضغوط ترامب وفانس
وعلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على موقف زيلينسكي، أمس الأول، قائلاً: «من الأفضل أن تعجبه الخطة، وإذا لم تعجبه، فكما تعلمون، سيتعين عليهم مواصلة القتال». وفي مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، أوضح ترامب أنه سبق أن منح كييف «الكثير من المهل»، مضيفاً: «حين تسير الأمور على ما يرام، يكون هناك دائماً توجّه لتمديد المهل، لكنني أعتقد أن الخميس هو مهلة مناسبة»، في إشارة إلى 27 الجاري، المتزامن مع عيد الشكر بالولايات المتحدة، ولفت إلى أن أوكرانيا «تخسر أراضيها وستخسر في وقت قصير» إذا استمر الوضع على حاله.
في المقابل، أقر نائب الرئيس الأميركي جي. دي. فانس، الذي تلقى اتصالاً من زيلينسكي، بأن أي خطة لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا يجب أن تصون السيادة الأوكرانية، وأن تكون مقبولة من الطرفين، لكنه اعتبر أنه من «الخيال» الاعتقاد بإمكان تحقيق انتصار أوكراني من خلال مزيد من الأموال أو الأسلحة أو عبر تشديد العقوبات على موسكو.
وأشارت وكالة «رويترز» إلى أنه تم استبعاد المبعوث الخاص لأوكرانيا كيث كيلوغ من مسار المحادثات، في حين اطلع وزير الخارجية ماركو روبيو على الخطة، من دون أن يتضح متى تم إبلاغه بها أو مدى مشاركته في صياغتها. وفي تقريرٍ موسّع، كشفت الوكالة أن الخطة وُضعت خلال اجتماع عقد في ميامي نهاية أكتوبر، شارك فيه المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر صهر ترامب، إضافة إلى كيريل دميترييف، رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي، أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في روسيا والمدرج على لائحة العقوبات الأميركية.
هذا المسار غير التقليدي أثار موجة من المخاوف داخل الإدارة والكونغرس من أن ويتكوف وكوشنر التفّا على الآليات المؤسسية المعتادة، وأن النقاشات مع دميترييف أفضت إلى خطة تميل بوضوح لمصلحة موسكو. ونقلت «رويترز» عن مسؤول أميركي مطلع أن التواصل مع دميترييف أثار أيضاً قلقاً داخل دوائر الاستخبارات، نظراً إلى أن الأخير استخدم سابقاً موقعه في صندوق الاستثمار الروسي للتأثير على حكومات وشركات غربية رغم العقوبات المفروضة عليه. ولفتت الوكالة إلى أن دميترييف كان قد أجرى، خلال ولاية ترامب الأولى، اتصالات مع الإدارة بهدف إعادة ضبط العلاقات بين واشنطن وموسكو.
وشملت زيارته لميامي لقاءً مع النائبة الجمهورية آنا لونا عن ولاية فلوريدا، حيث ظهرت لونا في مقطع فيديو بثته وكالة الإعلام الروسية وهي تُقبّل علبة شوكولاتة تحمل صورة الرئيس فلاديمير بوتين على غلافها، في مشهد أثار انتقادات واسعة.
وفي الكونغرس، قال أعضاء ديموقراطيون في مجلس الشيوخ إن خطة ترامب «تكافئ بوتين، ولا تحقق سلاماً عادلاً ودائماً، وستُبقي أوكرانيا ضعيفة، وأوروبا غير مستقرة، والولايات المتحدة في موقع أضعف»، أما رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري روجر ويكر من مسيسبي، فحذر من أن «ما يُطلق عليها خطة السلام هذه تنطوي على مشاكل جوهرية، وأشكّ بشدة في قدرتها على تحقيق أي سلام حقيقي». وأضاف: «لا ينبغي إجبار أوكرانيا على التخلي عن أراضيها لمصلحة واحد من أكثر مجرمي الحرب شراً في العالم، فلاديمير بوتين».
إشادة روسية
في المقابل، لقيت الخطة الأميركية إشادة الرئيس الروسي، واعتبر بوتين أنها يمكن أن «تشكل أساساً لتسوية سلمية نهائية»، مؤكداً أنه مستعد «لمناقشة معمّقة لكل تفاصيل» النص الذي أعدته واشنطن.
وحذر من أنه في حال رفض كييف الخطة، فإن «الأحداث التي جرت في كوبيانسك ستتكرر حتماً في قطاعات رئيسية أخرى من الجبهة»، في إشارة إلى المدينة الواقعة بشرق أوكرانيا، التي أعلنت روسيا السيطرة عليها الخميس الماضي.
وقال سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، إن عقد قمة بين بوتين وترامب أمر محتمل. وكانت قمة مقررة بين الرجلين في المجر ألغيت في وقت سابق من الشهر الجاري لأسباب لم تتضح حيثياتها. وفرض بعد ذلك ترامب عقوبات للمرة الاولى منذ توليه السلطة على القطاع النفطي الروسي.
واعتبر زعماء دول أوروبية رئيسية، إضافة إلى كندا واليابان، في بيان مشترك على هامش قمة مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا أمس أن الخطة الأميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا «تشكل أساساً سيتطلب المزيد من العمل».
وأضافوا: «نحن واضحون بشأن مبدأ عدم جواز تغيير الحدود بالقوة. كما نشعر بالقلق إزاء القيود المقترحة على القوات المسلحة الأوكرانية والتي من شأنها أن تجعل أوكرانيا عرضة لهجمات مستقبلية».