معالي وزير العدل... التطوير لا يقتصر على التشريع فقط
الملاحظ لما يقوم به وزير العدل المستشار ناصر السميط منذ توليه الحقيبة الوزارية يدرك أن اهتمامه وتركيزه موجّه بشكل كبير نحو تطوير المنظومة التشريعية، ولعل تصريحه في 13/ 8/ 2025 عن إطلاق أكبر خطة لتطوير التشريعات، ما هو إلا تأكيد على ذلك الاهتمام.
نعم خطوة جيدة في إعادة النظر بالتشريعات السارية، حيث إن هناك تشريعات تحتاج إلى مواكبة، وتشريعات تحتاج إلى إعادة تقييم، لكن هناك جانبا آخر يعانيه المتقاضي بشكل عام والمحامي بشكل خاص، خاصة التشريعات التي تعالج مشاكلهم اليومية، وأهمها المواد المتعلقة بالإعلان في قانون المرافعات.
فمن المؤسف حقاً أن نظرة القائمين على الوزارة حول مشاكل الإعلان وطرق حلّها تأتي عبر بوابة الإعلان الإلكتروني فقط، وهو بالطبع استنتاج غير دقيق، وبإمكانهم حصر نسبة القضايا التي لم تعلن من خلال النظام الآلي في وزارة العدل، والنظر إلى أعداد القضايا التي ترتب عليها وقف، ومن ثمّ اعتبارها كأن لم تكن بسبب الإعلان، وهنا ستجد الوزارة أنها أمام أرقام كبيرة لم يكن للإعلان الإلكتروني دور في حلّها، هذه القضايا التي تعاد وتقيّد من جديد هي التي ترهق القضاء والمنظومة بشكل كامل.
وبالنظر إلى المحامي أو المتقاضي بعد رفعه للقضية، فبدلا من انشغاله بتجهيز دفاعه، تجده يومياً في أروقة المحاكم يبحث عن مندوب الإعلان والتأكيد عليه بإتمام الإعلان قبل الجلسة المحددة، فلا نظام آليا يجد فيه نتيجة الإعلان، وليس هناك نظام آلي يطمئنه بتسلّم أمين السر لتلك الصحيفة المعلنة، هذا غير أن هناك الكثير من الحالات التي لا يتم إعلانها أصلاً، وعلى الرغم من أن التقصير فيها واضح من قبل الموظف المختص، فإن المعاقب دائماً هو المدعي جراء وقف سير القضية ومن ثم تجديدها بطلب يقدّمه لرئيس الدائرة مُسدّد رسمه، وفي النهاية أيضاً قد لا يتم الإعلان، ومن ثم يصدر الحكم باعتبارها كأن لم تكن، ليقوم المدعي مجدداً برفع القضية مرة أخرة؛ مكرراً الإجراءات ذاتها.
صحيح أن قانون المرافعات وما قررته المادة 53 منه قد عالج مسألة إهمال الموظف والتراخي في أداء عمله، حيث نصّت على أن يقوم وزير العدل بتحديد الإجراءات الخاصة بالإعلان، وأن يحدد القرار الجزاءات التأديبية والعقوبات التي توقع عند الإهمال، بشرط ألا تتجاوز العقوبة غرامة قدرها 100 دينار، لكن هل هو مُطبق فعلياً؟ بالطبع لا، حتى وإن كان ذلك، فغاية المدعي هي إتمام الإعلان بالمواعيد المقررة، لا بملاحقة الموظفين ومحاسبتهم عند تقصيرهم، فهذه مسؤولية المسؤول المباشر أولاً، ومن ثم القائمين على الوزارة ﻻ المتقاضي.
إن ما يطمح إليه المتقاضي الآن هو التوجه نحو التشريعات المماثلة في الدول المجاورة، كما جاء في المادة 11 من نظام المرافعات الشرعية بالمملكة العربية السعودية، أو في المادة 6 من قانون الإجراءات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وما تضمنت من جواز الاستعانة بالقطاع الخاص في تحضير الخصوم، على أن تعمل تلك المكاتب وفق إجراءات وضوابط خاصة ومحددة ومعترف بها من قبل السلطات القضائية، وبذلك تتيح للخصوم، وخاصة في القضايا المالية، سهولة رفع القضية وإتمام إعلاناتها في أسرع وقت، بدلا من قضاء أوقات طويلة في مشقة الإعلان التقليدي الذي لا ينتج عنه سوى الإرهاق دون نتيجة.
ومن جانب آخر، وحتى لا يفهم من المقال أن مصاعب الإعلان تنحصر في بداية القضية، بالطبع لا؛ لأن مشاكل الإعلان في الكويت تمتد إلى نهاية القضية، حيث من الممكن أن يتم الإعلان بعد جهد جهيد، ومن ثم تُحال للخبراء، ويفاجأ المدعي بعد أن ينجز الخبير تقريره الفني بأن دوامة الإعلان تعود مرة أخرى، فكم من قضية جاهزة للفصل فيها، وبسبب عدم إخطار المدعى عليه بورود التقرير يتم وقفها، ومن ثم يصدر الحكم باعتبارها كأن لم تكن. وعلى الرغم من وضوح المادة 14 من قانون تنظيم الخبرة، التي نصت على «أن على إدارة الكتاب إخطار الخصوم - بكتاب مسجل - بإيداع التقرير وبتاريخ الجلسة المحددة لنظر الدعوى»، فإن الواقع مختلف تماماً، حيث إن الكثير من دوائر المحكمة تقرر تكليف المدعي بإخطار المدّعى عليه، وتسجيل محضر انتقال الى مقر الشركة، أو موطن الممثل القانوني، وهو ما يتعارض مع ما نص عليه صحيح القانون من أن الإخطار واجب على إدارة الكتاب وبالبريد المسجل، وليس من المدعي أو مَن يمثله.
ومن هنا نعود إلى نقطة بداية المقال... نعم نساير معالي الوزير بأن هناك تشريعات ملحّة، وتشريعات آن الأوان لتعديلها، لكنّ الواقع يحتّم على القائمين أو المشرّعين حل مشكلة الشكل، وأهم أنواعه (الإعلان) قبل النظر إلى الموضوع، فكيف للقاضي أن يحكم في الموضوع قبل أن يتم الفصل في الشكل؟
نعم هناك حلول، وهي موجودة في أدراج الوزارة، وما تحتاجه هذه المعضلة فقط هو تسليط الضوء عليها وإنهاء معاناة المتقاضين.
* محام