الاستفادة من الآخرين
العاقل أو السعيد من اتّعظ بغيره، أحرف صغيرة تحمل دلالات كبيرة، ومعاني بليغة فيها من الحكمة الشيء الكثير، ومن الاتزان والتفكر ما هو أوسع وأعظم، هي دعوة للركون إلى النفس يومياً، في ظل عالم مليء بالأحداث والمتغيرات المتلاحقة.
كلمات يمكن الإمعان في محتواها بأكثر من جانب، فمن جهة تدعونا إلى تجنّب النهايات السيئة لسلوكيات البعض، ومن جهة أخرى اكتساب الخبرات والمفاهيم من تعاطي الناس مع مختلف القضايا وتجاربهم الحياتية.
الحريص على حياة هادئة خالية من المنغصات، من يحاول الاستفادة من كل شخص يتعامل معه، بعيداً عن الفوارق العمرية أو المراكز العملية وكذلك التصنيفات الاجتماعية التي لا بداية لها ولا نهاية، فكل من نلتقي بهم في العمل أو في الديوانيات أو حتى خلال لقاء عابر، لديهم أفكار ومفاهيم وثقافات مختلفة، وبالتالي الذي يخطئ أمامك في موقف معيّن، يكون سبباً في تنبيهك لاتخاذ موقف سليم مغاير تماماً، والأمر نفسه ينطبق على من يصيب في قضية معيّنة، لاشك في أنك استفدت منه في كيفية التعاطي مع ذلك الظرف، لذا من الضروري التأني في الحكم على الآخرين من أي ردّة فعل أمامنا، حتى تتضح الصورة بشكل أكثر شمولية ونقاء.
الخسائر في الحياة كثيرة ومتنوعة، لكن مع مرور العمر يكتشف الإنسان أن أكبر خسارة لم تكن خطأ ارتكبه، بل دروساً كان من المفترض أن يتعلم منها، خصوصا أن التجارب التي نعيشها مهما كانت بسيطة وعابرة، فإنها تحمل براهين وإشارات لمن يمتلك ميزة الإصغاء والتروي أمام المواقف التي تواجهنا.
التأمل فيما يحدث أمامنا مهارة قلّ من يتميز بها في وقتنا الحاضر، فتلك الصفة تبني الروح وتصقلها، وتفتح آفاقا أوسع من البصيرة والإدراك، فالتعلم رحلة مفتوحة وطويلة، لا تتوقف عند عمر معيّن، والحصافة ليست حكراً على شخص دون آخر.
من هنا، فإن من نلتقي بهم مهما تشعّبت أفكارهم وطباعهم، يشكلون مرآة عاكسة لما نفكر فيه سلباً كان أو إيجاباً، الأمر الذي يدفعنا باتجاهين متضادين، إما تأكيد قيم ومفاهيم زرعت بداخلنا منذ الصغر، أو تصحيح مسار، نظن ونراه بعين الرضا التي لا تعترف بالخطأ، أو بالأحرى تتغاضى عنه لأسباب عديدة.