ترامب وبن سلمان: تحالف يترسخ باتفاقيات استراتيجية
• ولي العهد السعودي يزور الكونغرس ويشارك مع الرئيس الأميركي في «منتدى الاستثمار»
رسمت الزيارة التاريخية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن ملامح مرحلة غير مسبوقة في العلاقات السعودية – الأميركية، بعدما وقع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب 9 اتفاقيات دفاعية واقتصادية وتقنية، وُصفت بأنها تفتح «فصلاً جديداً عظيماً» في شراكة البلدين.
وأبرز ما حملته الزيارة كان توقيع «الاتفاقية الدفاعية الاستراتيجية»، التي تؤسس لشراكة عسكرية ممتدة بين البلدين، وتعزز الردع والجاهزية وتطوير القدرات الدفاعية. وفي خطوة لافتة، أعلن ترامب منح السعودية صفة «حليف رئيسي من خارج الناتو»، لتنضم إلى 6 دول عربية تملك هذا الامتياز، وهو أعلى مستوى تعاون دفاعي تمنحه واشنطن لدولة خارج الحلف، بما يشمل الحصول على أسلحة متقدمة وبرامج تطوير مشتركة وتمويل للأبحاث، إضافة إلى إمكانية تمركز مخازن الطوارئ الأميركية على أراضي الحلفاء.
وشملت الاتفاقيات حزمة دفاعية ضخمة تتضمن بيع مقاتلات F-35 إلى السعودية، إضافة إلى شراء نحو 300 دبابة أميركية.
ووضع الجانبان الأسس القانونية لـ «اتفاقية 123» الخاصة بالتعاون في الطاقة النووية السلمية، والتي ستتيح للسعودية بناء محطة نووية كبيرة بتقنيات أميركية.
ووقّع البلدان مذكرة تفاهم تُعد «تاريخية» في مجال الذكاء الاصطناعي، وإطار تعاون في المعادن الحيوية الضرورية لصناعات الطاقة النظيفة، وتفاهمات مالية بين وزارتي المالية في البلدين لتعزيز أسواق رأس المال والمعايير التنظيمية، إضافة إلى برامج للتعليم والتدريب وتحسين بيئة الاستثمار.
وفي اليوم الثاني من الزيارة، شارك بن سلمان وترامب في أعمال النسخة الثانية من منتدى الاستثمار الأميركي ـ السعودي 2025 الذي ركّز على الطاقة والمعادن الحيوية وسلاسل الإمداد المستقبلية، في حين زار ولي العهد مقر الكونغرس.
وفي تفاصيل الخبر:
خلال زيارته التاريخية إلى واشنطن، وقّع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، في البيت الأبيض، 9 اتفاقيات دفاعية واقتصادية واستراتيجية، مما يفتح «فصلاً جديداً عظيماً» في العلاقات السعودية - الأميركية، ويعزّز أسس «شراكة بلا حدود» بين الحليفين التاريخيين على حد وصف صحيفة الشرق الأوسط.
وهذه الاتفاقيات هي أولاً، اتفاقية الدفاع الاستراتيجي، وثانياً، الشراكة الاستراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي، وثالثاً، البيان المشترك لاستكمال المفاوضات بشأن التعاون في الطاقة النووية المدنية، ورابعًا، الإطار الاستراتيجي للشراكة في تأمين سلاسل الإمداد لليورانيوم والمعادن والمغانط الدائمة والمعادن الحرجة، وخامساً، اتفاقية تسهيل إجراءات تسريع الاستثمارات السعودية، وسادساً: ترتيبات الشراكة المالية والاقتصادية من أجل تعزيز الازدهار الاقتصادي، وسابعاً، الترتيبات المتعلقة بالتعاون في قطاع هيئات الأسواق المالية، وثامناً، مذكرة تفاهم في مجال التعليم والتدريب، وتاسعاً، الرسائل المتعلقة بمعايير سلامة المركبات.
اتفاق دفاع استراتيجي
وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن بن سلمان وترامب وقّعا اتفاقية دفاع استراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة «في إطار الشراكة الاستراتيجية والروابط التاريخية الراسخة التي تجمع البلدين منذ أكثر من 90 عاما، وتمثل خطوة محورية تعزز الشراكة الدفاعية طويلة المدى، وتعكس التزام الجانبين المشترك بدعم السلام والأمن والازدهار في المنطقة».
وتؤكد الاتفاقية أن الرياض وواشنطن» شريكان أمنيان قادران على العمل المشترك لمواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية والدولية، بما يعمق التنسيق الدفاعي الطويل الأجل، ويعزز قدرات الردع ورفع مستوى الجاهزية، إلى جانب تطوير القدرات الدفاعية وتكاملها بين الطرفين».
كما تضع الاتفاقية إطاراً متيناً لشراكة دفاعية مستمرة ومستدامة، تساهم في تعزيز أمن واستقرار البلدين، وفقا ل «واس».
حليف من خارج «ناتو»
وفي كلمة ألقاها خلال مأدبة عشاء أقامها على شرف بن سلمان، مساء أمس، أعلن ترامب رفع التعاون العسكري مع الرياض إلى مستوى أعلى ب «تصنيفنا السعودية رسميا حليفا رئيسيا من خارج حلف ناتو»، لتنضم بذلك السعودية الى 19 دولة لديها هذا التصنيف، بينها عربياً كل من الكويت والبحرين وقطر ومصر والمغرب وتونس.
ويعد هذا التصنيف أعلى درجة تعاون عسكري وأمني تمنحها الولايات المتحدة لدولة لا تنتمي لحلف ناتو. وقد بدأ «الكونغرس» الأميركي منح هذا اللقب منذ عام 1987 بموجب المادة 22 لقانون الولايات المتحدة.
ويحصل الحليف من خارج «ناتو» على عدة امتيازات رئيسة، منها الأولوية في الحصول على الأسلحة الأميركية المتقدمة والتكنولوجيا العسكرية المتطورة، وإمكانية شراء أو استئجار معدات عسكرية أميركية فائضة بأسعار مخفضة أو بشروط ميسّرة.
ويسمح هذا التصنيف أيضاً للدولة الحليفة خارج «ناتو» بالمشاركة في برامج تطوير أسلحة مشتركة مع الولايات المتحدة، وتلقي تمويل أميركي لمشاريع البحث والتطوير العسكري.
ويمنح أيضا هذا التصنيف بعض المزايا للولايات المتحدة، إذ يمكنها من تخزين معدات عسكرية أميركية مخصصة للطوارئ على أراضي الدولة الحليفة، إضافة الي تسهيلات في التدريب العسكري المشترك والتعاون الاستخباراتي.
مقاتلات ودباباتاتفاق دفاع استراتيجي وتصنيف المملكة حليفاً رئيسياً من خارج «ناتو»
وتشمل الاتفاقيات التي جرى توقيعها مجالات عدة منها الدفاع الإستراتيجي المشترك وتسليمات مستقبلية لمقاتلات «إف 35» وشراء نحو 300 دبابة أميركية.
وقال البيت الأبيض، في بيان، إن الاتفاقيات تتضمن حزمة مبيعات دفاعية ضخمة تعزز القاعدة الصناعية الدفاعية لواشنطن وتضمن استمرار الرياض في شراء الأسلحة الأميركية.
وخلال لقائه ولي العهد السعودي في المكتب البيضاوي، قال الرئيس الأميركي رداً على سؤال إن الولايات المتحدة ستبيع مقاتلات إف 35 للسعودية، في إطار اتفاق مماثل للذي عقدته مع إسرائيل، واضعاً حداً لتكهنات عن بيع السعودية طرازاً أقل تطوراً.
وأشار إلى السعودية وإسرائيل كحليفين وثيقين «أعتقد أنهما في مستوى يسمح لهما بالحصول على أفضل طائرات إف 35».
اتفاق نووي
وحول التعاون في مجال الطاقة النووية، قال البيت الأبيض إن البلدين «وقعا إعلانا مشتركا بشأن استكمال مفاوضات التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية يرسي الأساس القانوني لشراكة طويلة الأمد في مجال الطاقة النووية مع المملكة بقيمة مليارات الدولارات تمتد لعقود.. ويضمن أن تجرى جميع أشكال التعاون بما يتوافق مع معايير منع الانتشار (النووي) الصارمة».
وقد جرى توقيع «إعلان مشترك بشأن استكمال مفاوضات التعاون النووي المدني» من وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، ونظيره السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان.
ووصف رايت التوقيع على الاعلان بأنه «تاريخي، حيث اجتمعت الولايات المتحدة والسعودية على اتفاق للتعاون النووي المدني. ومعاً، ومع اتفاقيات الضمانات الثنائية، نريد تنمية شراكتنا، وجلب التكنولوجيا النووية الأميركية إلى السعودية، والحفاظ على التزام راسخ بعدم الانتشار».
من جانبها، أوضحت وزارة الطاقة السعودية أن حكومتي البلدين أعلنتا اكتمال المفاوضات المتعلقة بالتعاون بشأن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والمعروفة ب «اتفاقية 123». وجرى الاتفاق على مشروع الاتفاقية ذات العلاقة التي ستتيح التعاون بين البلدين في هذا المجال، ونقل التقنيات الأميركية المتقدمة إلى المملكة، بما في ذلك محطات الطاقة النووية. كما أكدت وزارة الطاقة السعودية أن اتفاقية التعاون هذه تساهم في فتح المجال للشركات الأميركية العاملة في المجال النووي للدخول في مشروعات في المملكة، مما يساهم في توليد وظائف نوعية وجذب استثمارات مجزية وتطوير مشاريع مشتركة في تقنيات الطاقة النووية وتطبيقاتها الإشعاعية المتقدمة.
الذكاء الاصطناعيمذكرة تفاهم بمجال الذكاء الاصطناعي تمهد لحصول الرياض على رقائق متطورة
وعن مذكرة التفاهم في مجال الذكاء الاصطناعي، ذكر أنه جرى توقيع «مذكرة تفاهم تاريخية في مجال الذكاء الاصطناعي تتيح للمملكة الوصول إلى أنظمة أميركية رائدة عالميا مع حماية التكنولوجيا الأميركية من النفوذ الأجنبي».
ويستعد البلدان للموافقة على أولى صفقات بيع رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة لشركة هيوماين السعودية، في خطوة تعد انتصاراً للمشروع المدعوم من الدولة السعودية.
وأفادت وكالة بلومبرغ نقلاً عن مصادر بأن هذه الموافقات تأتي ضمن اتفاق أوسع بين واشنطن والرياض حول التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن يحسم خلال أيام. الاتفاق سيتيح للحكومة الأميركية النظر بإيجابية في طلبات تصدير كميات محددة من رقائق الذكاء الاصطناعي إلى السعودية، وهي شحنات تخضع منذ عام 2023 لإذن مسبق من واشنطن.
وقال ترامب للصحافيين في المكتب البيضاوي خلال لقائه ولي العهد: «نحن نعمل على ذلك»، مشيراً إلى أن الصفقة ستشمل «مستويات معينة من الرقائق». ورجح أحد مصادر «بلومبرغ» أن حجم الموافقات قد يصل إلى عشرات الآلاف من أشباه الموصلات، دون تحديد رقم دقيق.
وأكّد ولي العهد السعودي خلال اجتماعه مع ترامب أن أي اتفاقية مبرمة مع واشنطن للحصول على شرائح الذكاء الاصطناعي تهدف لتلبية الاحتياجات السعودية، وليس إرضاء للولايات المتحدة أو ترامب.
وقال ولي العهد: «نحن لا نخلق فرصاً زائفة لإرضاء أميركا. إنها فرص حقيقية. على سبيل المثال، عندما تسأل عن الذكاء الاصطناعي والرقائق، فإن السعودية لديها طلب هائل، وحاجة ماسة للقوة الحاسوبية. وسننفق، على المدى القصير، حوالي 50 مليار دولار لاستهلاك أشباه الموصلات تلك لتلبية احتياجاتنا في السعودية».
وتابع: «ومع الاتفاقية التي سنعقدها مع الولايات المتحدة سيسمح لنا ذلك بتركيز هذه القوة الاستهلاكية. على المدى القصير، بمبلغ 50 مليون دولار من الولايات المتحدة، وعلى المدى الطويل، بمئات المليارات من الدولارات. لذا، هناك العديد من الفرص الحقيقية التي تناسب احتياجاتنا في المملكة وتتناسب مع استراتيجيتنا الاستثمارية».
اتفاقيات متنوعة
وأشار البيت الابيض إلى أن البلدين وقّعا أيضا «إطار عمل للمعادن الحيوية» بهدف تعميق التعاون وبما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية الأميركية في تنويع سلاسل توريد المعادن الحيوية.
وأضاف أن وزارتي الخزانة الأميركية والمالية السعودية وقّعتا اتفاقيات «لتعزيز التعاون في مجال تكنولوجيا أسواق رأس المال والمعايير واللوائح وتعميق الشراكة في المؤسسات المالية الدولية».
وأوضح أن الولايات المتحدة والسعودية اتفقتا على «تكثيف تعاونهما خلال الأسابيع المقبلة في القضايا التجارية ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك المجالات المتعلقة بخفض الحواجز غير الجمركية وتحسين بيئة الاستثمار». وقال رئيس «أرامكو» انه سيتم خلال الزيارة توقيع مذكرات تفاهم لقطاع الطاقة بقيمة 30 مليار دولار.
زيارة «الكونغرس» ومنتدى الاستثمارمقاتلات «إف 35» و300 دبابة... وتعاون نووي مدني
وفي حين زار ولي العهد السعودي «الكونغرس» في اليوم الثاني من زيارته، انطلقت النسخة الثانية من فعاليات منتدى الاستثمار الأميركي - السعودي 2025. وتُسلّط جلسات المنتدى الضوء على قطاع الطاقة وحماية إمدادات الطاقة العالمية وتعزيز المواءمة فيما يتعلق بالمعادن الحيوية التي تُعد عنصراً أساسياً في تقنيات الطاقة النظيفة وسلاسل الإمداد المؤمّنة للمستقبل.
التطبيع و«الدولتين»
أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في رده على أسئلة الصحافيين خلال لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المكتب البيضاوي أن السعودية تريد سلاماً مع إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة بأسرها، وإعداد خطة واضحة للقضية الفلسطينية تضمن إقامة مسار حقيقي للتوصل إلى حل الدولتين.
وقال بن سلمان: «نؤمن بأن العلاقات الجيدة مع دول الشرق الأوسط تعد أمراً جيداً وترغب السعودية في الانضمام إلى اتفاقات إبراهام، غير أن الانضمام مشروط بضمان مسار حقيقي للوصول إلى حل الدولتين، إذ ناقشناه اليوم بشكل جيد جداً مع الرئيس ترامب، وأعتقد أن بإمكاننا التحضير لهذا المسار».