حفلة زفاف تعيدني إلى باكلي

نشر في 17-11-2025
آخر تحديث 16-11-2025 | 18:43
 وول ستريت جورنال

لم أتوقع أن أفكر في ويليام ف. باكلي الابن وأنا أحضر زفاف ابن شقيقي، لكن عزف الموسيقيين للحركة الثالثة من كونشرتو باخ رقم 2 في فا الكبير أعاد إلى ذهني صورة باكلي على الفور. 

كانت هذه المقطوعة هي الشارة الافتتاحية لبرنامج «فايرينغ لاين»، البرنامج الحواري السياسي الذي قدّمه باكلي - المعلّق المحافظ الرائد الذي توفي عام 2008 عن 82 عاماً -على PBS لسنوات طويلة.

خلال طفولتي في سبعينيات القرن الماضي، كان هذا الكونشرتو هو الموسيقى الخلفية لأيام الأحد في منزلنا، حين كان البرنامج يجد طريقه إلى غرفة المعيشة. أعزو إلى باكلي الفضل في تعرّفي إلى الموسيقى الكلاسيكية، فإلى جانب تلك المقطوعة، كانت معرفتي بالموسيقى تقتصر على «افتتاحية وليام تل» من مسلسل «ذا لون رينجر».

الحركة الموسيقية، بحوارها المرح بين البوق والأوبوا والوترية والفلوت، بدت أشبه بموسيقى حفلة ملكية من أن تكون مقدمة برنامج سياسي، لكن في عالم باكلي الأرستقراطي unapologetic، كان كل شيء منطقياً. الموسيقى بالنسبة له كانت طريقاً إلى الرب واستُخدمت لتهيئة المشاهدين لتقبّل الحوار المدني الذي يرتقي نحو معانٍ أعمق.

باخ ضبط نغمة «فايرينغ لاين» حرفياً ومعنوياً، حيث ربط البرنامج وتقاليد الفكر الغربي الراسخة. في أفضل حلقاته، كان ضيوف باكلي يرتقون إلى المناسبة، مناقشين قضايا معقّدة - مثل ضبط التسلح والسياسة الضريبية وووترغيت - بحس من الاحترام والمدنية. حتى صداقاته مع ليبراليين مثل جون كينيث غالبرث وجورج ماكغفرن نمت من القدرة على الاختلاف بمرح ولباقة، مما أبرز أهمية الحوار المتحضر.

باكلي و»فايرينغ لاين» يمثلان نموذجاً نادراً اليوم، حيث تحوّلت البرامج السياسية إلى فضاءات صاخبة وشبه ملاكمة كلامية، تتناول الإجهاض وتغيّر المناخ ومستقبل الديموقراطية بأسلوب هجومي ومثار للجدل أكثر من كونه منصة للحوار العقلاني.

الاستماع إلى الكونشرتو في الزفاف أعاد إليّ ذكريات أيام أكثر هدوءاً، عندما كان النقاش السياسي يتم بوعي وإدراك للقيم المشتركة، ولم يكن مجرد صراع على الانتصار الإعلامي أو استعراض القوة الكلامية. باكلي علم أن الموسيقى يمكن أن تهيئ العقل للنقاش الراقي، وأن الجدل يجب ألّا يكون فوضوياً ليكون مثمراً.

هذا التفكير يقود إلى سؤال مهم: هل يمكن أن يصبح الحوار السياسي اليوم ألطف وأكثر عمقاً إذا اعتمدنا لمسة باكلي، بدءاً بتقديم المحتوى بطريقة تمنح المشاهد فرصة للتأمل قبل الانغماس في الجدال؟ هل يمكن لبرنامج حديث أن يبدأ بمقطوعة موسيقية، ليضبط نغمة النقاش، ويذكرنا بأن الاختلاف يجب ألا يتحوّل إلى خصومة؟

بينما كنت جالساً في مقاعد الكنيسة أستمع إلى الكونشرتو المألوف، شعرت بأن جمال الموسيقى أعادني إلى زمن لم تكن فيه السياسة مجرد صراعات كلامية حادة، بل حواراً مدنياً راقياً يربط الماضي بالحاضر. في تلك اللحظة، بدا واضحاً أن باكلي لم يعلّمنا فقط السياسة، بل درساً في فن الاستماع، واحترام الآخر، ورفع مستوى النقاش، وهو درس ربما نفتقده في عالم اليوم الصاخب.

* داني هيتمان كاتب عمود في صحيفة باتون روج أدفوكيت، ومؤلف كتاب «صيف الطيور... جون جيمس أودوبون في أوكلي هاوس».

 

back to top