بماذا يؤمن الديموقراطيون التقليديون؟
الإغلاق الحكومي الأخير، الأطول في تاريخ الولايات المتحدة ب 43 يوماً، كشف هشاشة الحزب الديموقراطي وانقسامات داخله. لم ينتصر أحد، لكن الفوضى أبرزت الانقسام الحقيقي: ليس مجرد خلاف بين اليسار واليسار المتطرّف، بل بين سياسيين يملكون رؤية واضحة لوجودهم في السياسة، وآخرين بلا بوصلة فكرية. والمفارقة أن الأكثر وضوحاً هم الاشتراكيون، على الأقل لديهم عقيدة يسعون لتحقيقها.
في هذا السياق، قرأت مذكّرات كامالا هاريس “107 أيام” عن حملتها الرئاسية الفاشلة عام 2024، وكتاب جون فيترمان “غير مقيّد” عن مسيرته السياسية. المقارنة بينهما تكشف أزمة الديموقراطيين المعتدلين أكثر من أي تحليل.
كتاب هاريس يكاد يكون خالياً من العمق السياسي، يبدأ باقتباسات غريبة من مهندس برمجيات إيطالي وأغنية لكيندريك لامار، ما يعطي الانطباع بأن “السطحية” متعمدة. اهتمامها الأساسي هو «التكتيك والإعلام والصورة العامة»: ترتيب ظهورها بعد كاردي بي، كيف يبدو الخبر على الشاشة، وهل الجملة الختامية تشعّ بالبهجة. حتى بعد انسحاب بايدن، أول ما فكرت فيه كان الحصول على دعمه فوراً لاعتبارات شخصية واستراتيجية، وليس لرؤية وطنية.
فلسفتها شبه غائبة، تقول فقط إنها تريد “حماية الناس ومساعدتهم على الازدهار”، وهو هدف عام لا يكشف عن عقيدة. موقفها من الهجرة مشوش، ورفضت مصطلح “الهجرة غير الشرعية”، معتقدة أن بعض الاستثمارات ستوقف تدفق المهاجرين.
على النقيض، يقدم جون فيترمان نموذجاً مختلفاً، يمتلك رؤية متماسكة رغم عدم صياغتها نظرياً. يرى أميركا منقسمة بين غنى وفقر، ويشعر بانتماء للطبقات المنهكة في المدن الصناعية. يكتب بصراحة عن اكتئابه بعد السكتة الدماغية، وعن شعوره بأنه “خاسر”. لا يخاف من مخالفة حزبه: يدافع عن إسرائيل، يرفض الحدود المفتوحة، ويحمّل الديموقراطيين مسؤولية كذبهم بشأن أمن الحدود، ويرى أن هذا الكذب حسم انتخابات 2024.
المقارنة تكشف مأزق الديموقراطيين المعتدلين: كثيرون لا يعرفون لماذا هم في السياسة. لاستعادة صوت فكري حقيقي، يجب أن يبدأوا بالسؤال الأساسي: بماذا يؤمنون؟
* بيغي نونان