ليلى العثمان: تأثير الكلمة أقوى من الرصاصة

نشر في 16-11-2025
آخر تحديث 15-11-2025 | 18:18
ليلى العثمان ورانية القطامي
ليلى العثمان ورانية القطامي

استضافت منصة وارف الثقافية، برعاية الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، جلسة حوارية مع الكاتبة ليلى العثمان حول روايتها «المحاكمة»، أدارتها مؤسّسة المنصة رانية القطامي، التي طرحت مجموعة من الأسئلة حول مضامين العمل ورسائله، وشهدت الجلسة حضورا لافتا من المثقفين والمهتمين بالأدب.

وخلال الجلسة، أشارت القطامي إلى أن الرواية تضمنت العديد من المقاطع اللافتة التي استوقفتها، ومن بينها اقتباس للشاعر الإنكليزي ميلتون، جاء فيه «أعطني الحرية في أن أعرف. وأن أقول. وأن أناقش كما يملي علي ضميري. قبل أن تعطيني أية حرية أخرى». وانطلاقا من هذا الاقتباس، وجهت القطامي سؤالا إلى العثمان عما إذا كانت هناك حرية أخرى تفوق هذه الحرية الجوهرية، لتجيب العثمان بأن «الدنيا كلها حرية، والحريات تتفاوت... هناك حريات اجتماعية، وسياسية وغيرها، وجميع هذه الحريات تندرج تحت المعنى الذي أكد عليه ميلتون».

وتوقفت القطامي عند ما ورد في الصفحة 52 من الرواية، حيث استشهدت العثمان بمقولة: «ونحن في مجتمعنا مثل أي مجتمع عربي آخر، يحمل في سلوكه كل المتناقضات من فضائل ورذائل، وقد ركزت على السلبيات في المجتمع بقصد إبرازها لوضع حلول لها».

 وأوضحت القطامي أن هذه العبارة أثارت جدلا بين القراء، إذ يرى البعض أن الأديب أو الفنان أو الشاعر غير مطالب بتقديم حلول، بينما يعتقد آخرون أن دوره لا يقتصر على عرض المشكلة فحسب، بل يتعداه إلى طرح رؤى أو مقترحات، وانطلاقا من هذا الجدل تساءلت عما إذا كان الأديب يتحمل مسؤولية إيجاد الحلول أم يكتفي بتسليط الضوء على القضايا، وأجابت العثمان بأنه لا يوجد أديب يضع حلولا لأي شيء، لأن الحلول إن وجدت فستتعارض بطبيعتها مع حلول أخرى تأتي من مصادر أخرى، مبينة أن مهمة الأديب عرض المشكلة أو القضية، ويترك لأهل الاختصاص مهمة البحث عن الحلول، مع العلم أن قليلاً فقط من يمتلك القدرة على إيجاد حلول حقيقية لهذه الأزمات.

وفي سياق الجلسة، توقفت رانية القطامي عند ما ورد في الصفحة 65 من الرواية، حيث تحدثت العثمان عن علاقتها بشخصياتها الروائية، قائلة: «لمحتُ وجوه أبطالي راجفة، هدأت مشاغباتهم واحتجاجاتهم... ما أروع أن يشاطرك أبطالك عزاء لحظتك»، وانطلاقا من هذا المقطع، سألت القطامي العثمان عن كيفية تحول الشخصيات الخيالية في الرواية إلى كائنات حية تتفاعل مع الكاتب وتواكب تفاصيله اليومية.

وأجابت العثمان موضحة أن «إحساس الكاتب بأبطاله يجعله يعرف مواقفهم حتى من دون أن يتحدثوا أو يتحركوا، فنحن نمنحهم كل الميزات التي تكون في الإنسان أو سلبياته، ولذلك يقفون في المقابل بوفاء إلى جانب الكاتب، ويحفزونه على أن يكون أكثر صدقا ويبادر بصورة كبيرة لينتعش أكثر في الكتابة». 

وأضافت العثمان أنها تجري الكثير من الحوارات مع أبطالها، مشيرة إلى أن أحد كتبها «أنا وأبطالي»، ذكرتهم جميعهم، وتحدثت عن علاقاتها بهم ومواقفهم معها ومع الحياة، وأشارت إلى الدور الحيوي الذي يؤديه الأبطال، فهم المنقذ للكاتب، وأحيانا تتعطل لغة الكاتب فتجدين أحد الأبطال يبتكر حواره الخاص، ويخترع موقفه، فهم فعلا منقذون في لحظة يكون الكاتب «متشنج أو تعبان». 

وعند سؤال القطامي لها عما إذا كانت هذه الشخصيات قد شعرت بالخوف أثناء فترة المحاكمة، أجابت العثمان: «ان كل ما يحس به الكاتب ينعكس على أبطاله، حتى إن لم يكونوا حقيقيين، يشعرون معه، ولذا قد تجدينهم أحيانا ينتكسون، يفقدون القدرة على التعبير، يصمتون كأنهم صم بكم، ومع ذلك يظل إحساسهم حاضرا». 

وتوقفت القطامي عند ما ورد في الصفحة 81 من الرواية، حيث جاء فيها: «لا تصرخ في وجه أعدائك، وتجرح حنجرتك، لا تحمل السيف فتتعب يدك. سخافة أن تشحذ همتك لحرب الكلام والمشاجرة. عملك هو السيف واللسان والصفعة لأعدائك»، وتوجهت بسؤال إلى العثمان عما إذا كان قلمها قد انتصر يوما على أعدائها، وجاء الرد صريحا من تجربتها الإنسانية، فقالت إنها دائما تربت على ألا ترد الإساءة بمثلها، ولا تحب الشتائم مهما كانت الظروف، لافتة إلى أنها تعرضت لكثير من المواقف، معلقة: «لكنني اعتدت الصبر... وهذه العادة متجذرة في داخلي بقوة».

الكلمة والرصاصة

وتطرقت القطامي إلى ما ورد في الصفحة 121 من الرواية: «اخترت الكلمة... لم أختر الرصاصة»، وتساءلت: «نعرف جميعا أثر الرصاص، لكن هل ندرك جميعا أثر الكلمة؟»، وأجابت العثمان بأنه طبيعي أن تكون للكلمة قوة... وبرأيها هي أقوى من الرصاصة، فالطلقة قد تقتل الشخص وتنهي حياته، لكن الكلمة —حين توجه بعقل ومنطق— تستطيع أن تحدث تأثيرا أكثر من الرصاصة، قد تحوله من موقف إلى موقف، وتبدل وجهة نظر الإنسان إذا استعملت الكلمة «فالكلمة لا تقتل... لكنها تغير»، أما الرصاصة فتنهي، والكلمة توقظ وتنبه وتترك أثرا أبقى وأعمق.

وأشارت القطامي إلى الدور الإيجابي الذي جسدته ابنة الكاتبة العثمان (علا)، في الرواية، ووصفتها بقولها «سيدة متميزة جدا»، لافتة إلى حضورها الدائم إلى جانب والدتها في فترة المحاكمة ومساندتها المتواصلة لها، وعبرت العثمان عن اعتزازها الكبير بابنتها، قائلة: «علا إنسانة متفهمة ورائعة من بين بناتي، ودائما أقول لها أنت يدي اليمنى».

وأوضحت العثمان أنها أرادت من خلال الرواية إبراز قيمة بر الأبناء بأمهم، وركزت أيضا على بر الوالدين الذي تجسد في مواقف أبنائها علا وعبير وعمار، مؤكدة أنهم جميعا وقفوا إلى جانبها وساندوها، وأضافت: «كانوا مثل نسمة تنعشني وأنا في حالة إغماء»، وأشارت إلى أن علا كتبت رسالة نشرت كاملة ضمن صفحات الرواية.

 نشر الوعي الثقافي 

وعلى هامش الأمسية أكدت مؤسسة منصة «وارف» الثقافية رانية القطامي أن المنصة تحرص على تنظيم فعالية ثقافية مرة كل شهر، موضحة أن طبيعة الفعاليات تتنوع بين مناقشة الكتب واختيار مواد ثقافية مختلفة لطرحها وتبادل الحوار حولها، وشددت على أن الهدف الأساسي للمنصة هو نشر الوعي الثقافي وتعزيز الاهتمام بالقراءة والمعرفة لدى المجتمع. 

وأشارت إلى أن منصة وارف انطلقت رسميا في 1 يناير 2024، وتقام فعالياتها بشكل دوري في الجمعية الثقافية النسائية، مضيفة أن الفريق يسعى في الوقت الراهن إلى توسيع نطاق التعاون مع جهات ومؤسسات ثقافية أخرى، وكشفت أن المنصة تستضيف للمرة الأولى شخصية ثقافية بارزة، وهي الأديبة ليلى العثمان، مبينة أن الفعاليات السابقة كانت تقتصر على قراءة الكتب ونقدها ضمن جلسات نقاشية مفتوحة.

 

back to top