انتخابات العراق: 3 خيارات تحدد مصير ولاية السوداني الثانية
دور إيران أقل تأثيراً مع تحول المعركة إلى داخل الإطار التنسيقي
مع إعلان نتائج الانتخابات العراقية، انطلقت فوراً معركة تشكيل «الكتلة الأكبر» في البرلمان، وسط تقدم لافت لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الذي حصل ائتلافه على نحو 50 مقعداً من أصل 329، ويُنظر إليه على نطاق واسع كشخصية قادرة على الموازنة بين واشنطن وطهران.
لكن الطريق إلى ولاية ثانية محفوف بالتحديات، بعد أن حولت مقاطعة التيار الصدري للانتخابات المعركة إلى داخل الائتلاف التنسيقي الحاكم، مما يضع دور إيران، الذي كان محورياً في الانتخابات السابقة لتوحيد القوى ضد الصدر، في موقف أكثر صعوبة وأقل تأثيراً الآن.
أبرز المنافسين للسوداني رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يسعى للعودة إلى السلطة، في حين حصد قيس الخزعلي نحو 27 مقعداً، وكتل أخرى مثل ائتلاف هادي العامري تزيد من تشظّي القوى الشيعية، مما يجعل أكثر من 100 نائب شيعي محتمل خارج دائرة نفوذ السوداني.
نظرياً، يمكن للسوداني التحالف مع رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي (35 نائباً) والحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني (27 نائباً)، لكن تقليد المحاصصة الطائفية ودروس انتخابات 2021 يجعلان نجاح هذا التحالف أمراً شبه مستحيل.
في هذا السياق، تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة لتحديد مستقبل رئاسة الحكومة:
- أولاً، نجاح السوداني في استمالة بعض القوى الشيعية لتشكيل كتلة أكبر مع الكتل السنية والكردية، وبقاء المالكي وبعض الفصائل المتشددة المقربة من إيران في المعارضة.
- ثانياً، تمكن المالكي من إقصاء السوداني عبر استقطاب شخصيات من ائتلافه، مما قد يعيد المالكي لرئاسة الحكومة أو يسمح له بتسمية شخصية أخرى.
- ثالثاً، تشكيل تحالف شيعي واسع، مما يؤدي إلى تقاسم المناصب وفرض شروط صارمة على السوداني مقابل بقائه في المنصب.
السوداني أعلن انفتاحه على جميع القوى، لكن مستقبله مرتبط بتوازنات القوى الداخلية والضغوط والتحالفات الإقليمية والدولية، مما يجعل ولايته الثانية رهينة لمفاوضات حاسمة في الأيام المقبلة، لا يقررها البرلمان وحده ولا تقتصر على بغداد.
وفي تفاصيل الخبر:
انطلقت فعلياً معركة تشكيل «الكتلة الأكبر» في البرلمان العراقي، فور إعلان نتائج الانتخابات التي جرت أمس الأول، والتي كشفت عن تقدُّم ملحوظ لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع بوصفه الشخصية القادرة على الموازنة الدقيقة بين واشنطن وطهران، إذ أظهرت النتائج حصول ائتلافه على نحو 50 مقعداً من أصل 329، مما يجعله منافساً جدياً على قيادة الحكومة المقبلة.
غير أن الطريق إلى ولاية ثانية لا يبدو مفروشاً أمامه بالسهولة ذاتها، في ظل الانقسام الحاد داخل البيت الشيعي الذي يملك أكبر عدد من النواب في البرلمان، مما ينذر بمرحلة تفاوضية معقدة قد تعيد إنتاج مشهد المساومات السياسية الذي طبع الحياة البرلمانية العراقية خلال العقدين الماضيين.
وعلى خلاف انتخابات عام 2021، حينما توحّدت القوى الشيعية تحت مظلة «الإطار التنسيقي» لمواجهة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي حقق آنذاك فوزاً كاسحاً ب 70 مقعداً، فإن الانقسام هذه المرة يضرب قلب «الإطار» نفسه، الذي يضم طيفاً واسعاً من القوى المتناقضة في توجهاتها، من التيار الوسطي المعتدل الذي يمثله السوداني إلى الفصائل المسلحة الأكثر تشدداً، المرتبطة بإيران.
ويبرز التحدي الأبرز أمام السوداني في شخص رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي لم يُخفِ خلال حملته الانتخابية طموحه بالعودة إلى السلطة، رافضاً منح السوداني فرصة جديدة. ووفق تقديرات أولية، فإن ائتلاف المالكي نال نحو 34 مقعداً، في حين تمكن قيس الخزعلي، القيادي السابق في التيار الصدري وزعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، من حصد نحو 27 مقعداً، إلى جانب قوى أخرى مثل ائتلاف هادي العامري من «منظمة بدر».
وبذلك، تبدو خريطة القوى الشيعية أكثر تشظّياً وتعقيداً، إذ إن أكثر من 100 نائب من أصل 170 نائباً شيعياً محتملين سيكونون خارج دائرة نفوذ السوداني.
ونظرياً، يمكن للسوداني أن يسعى لتشكيل تحالف مع رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، الذي خرج من الانتخابات كأقوى شخصية سنيّة بحصوله على نحو 35 مقعداً، ومع الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني الذي تصدّر نتائج الانتخابات في المناطق الكردية بحصوله على كتلة قد تصل إلى نحو 27 نائباً.
لكن تقليد المحاصصة الطائفية الراسخ في العراق يشكّل حاجزاً أمام نجاح هذا التحالف في تسمية رئيس الحكومة، إذ يتم تبرير ذلك بأن منصب رئيس الوزراء من حصة المكون الشيعي، ويجب على القوى الشيعية تحديده داخلياً دون تدخّل من المكونات الأخرى.
ويدرك السوداني جيداً درس انتخابات 2021، حينما تحالف الصدر مع الكتل الكردية والسنيّة تحت شعار كسر المحاصصة الطائفية، مشكلاً كتلة برلمانية وصلت إلى نحو 200 نائب. إلا أن هذا التحالف فشل في تسمية رئيس حكومة، خصوصاً بسبب تمسُّك «الإطار التنسيقي» بشرط مشاركة ثلثي النواب (110 نواب) في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، مما منحهم القدرة على عرقلة انتخاب الرئيس الذي يفترض دستورياً أن يكلف هو رئيس الحكومة في مهلة لا تتجاوز 10 أيام من انتخابه. وهكذا أجّلت العملية الدستورية إلى أن قرر الصدر سحب نوابه من البرلمان، مما أدى إلى تحوّل الإطار التنسيقي إلى الكتلة الأكبر، التي أسفرت في النهاية عن تسمية السوداني لرئاسة الحكومة.
السوداني قد ينجح في تشكيل الكتلة الأكبر أو يُعزل من قبل المالكي أو يشكل حكومة ائتلافية واسعة
السيناريو الأول، يتمثل في نجاح السوداني في استمالة بعض القوى الشيعية للانضمام إلى تحالفه مع الكتل السنية والكردية، مما يمكنه من تشكيل الكتلة الأكبر، وفي هذه الحالة، سيكون عليه تقديم تنازلات كبيرة لتأمين هذا الدعم، فيما سيبقى المالكي وبعض القوى الشيعية الأخرى في صفوف المعارضة.
هذا السيناريو ليس مستحيلاً، إذ سبق أن أُبعد التيار الصدري الى المعارضة، بل الى خارج البرلمان، ولم يتم الطعن بشرعية رئيس الحكومة، مما يعني أن المالكي لن يجد ذريعة لإثارة أزمة شيعية.
السيناريو الثاني يرتبط بإمكانية أن يتمكن المالكي من عزل وتشكيل الكتلة الأكبر بمعزل عنه، في حال نجح باستقطاب بعض الشخصيات من ائتلاف السوداني. وفي هذه الحالة قد يعود المالكي إلى رئاسة الحكومة، أو يؤدي دور صانع الملوك من خلال تسمية شخصية أخرى لتولّي المنصب. ويتمثل السيناريو الثالث في تشكيل تحالف واسع يضم جميع القوى الشيعية، مما يعني عملياً أن هذه القوى ستتقاسم المناصب والوزارات، وستُخضع السوداني لشروط قاسية مقابل بقائه في منصبه.
وبعد إعلان النتائج، قال السوداني إنه منفتح على جميع القوى الوطنية من دون استثناء، وسيتعامل بروح المسؤولية الموضوعية والقانونية التي تليق بتضحيات العراقيين.
وليس هناك أي ضمانات من أن تنجح القوى السياسية في الذهاب باتجاه أي من هذه السناريوهات الثلاثة ضمن المدد الدستورية التي تبدأ بالجلسة الأولى للبرلمان التي يجب أن تنعقد خلال 15 يوماً من إعلان النتائج النهائية المصادق عليها من المحكمة الاتحادية العليا، وهي ليست ملزمة بسقف زمني محدد. وبعدها يُفترض أن ينتخب البرلمان رئيساً للجمهورية خلال 30 يوماً، ثم يكلف الرئيس مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الحكومة في غضون 15 يوماً، وأخيراً يشكل رئيس الوزراء حكومته في غضون 30 يوماً.
ومن هنا جاء تحذير مجلس القضاء الأعلى للأحزاب الفائزة بضرورة سرعة إجراء الحوارات والتفاهمات من أجل سرعة تشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية الجديدة ضمن السقوف الزمنية الدستورية.
ويؤكد العديد من المراقبين أن مسار التوازنات الداخلية بين القوى السياسية العراقية سيظل حاسماً، إلا أن العامل الخارجي، لا سيما الدقة البالغة في موازنة النفوذ بين واشنطن وطهران، يظل المفتاح الفعلي لتحديد هوية رئيس الوزراء المقبل. وبناء عليه، فإن مستقبل ولاية السوداني الثانية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتفاعل هذه القوى الداخلية مع الضغوط والتحالفات الإقليمية والدولية في الأيام المقبلة.