«لا تدقق»... المثالية مرهقة!
مجرَّد الاعتقاد بأن جميع مَنْ حولك يمتلكون عقلية واحدة، أو تفكيراً تتوقع أن يكون متسقاً مع تقييمك للأحداث، سواء كان في موقفٍ طارئ، أو ظرفٍ معيَّن، أمر مُرهق ومُكلف جداً!
البحث عن المثالية في التعاطي بمختلف أمور الحياة يكاد يكون ضرباً من الخيال، وأمراً غير موجود تماماً، لذا يجب أن تكون النظرة إيجابية على الأقل في بعض المواقف، درءاً للمشاكل من جهة، وراحة لنفسك من جهةٍ أخرى أكثر أهمية وهدوءاً.
تجاوز سقطات الآخرين بات مطلباً رئيساً في حياتنا المُزعجة، فلا يمكن مُحاسبة أي طرفٍ لمجرَّد زلة أو خطأ مقصود أو غير متعمَّد، خصوصاً أن البشر، وإن كانوا أبناء مجتمعٍ واحد، إلا أنهم يمثلون ثقافات متنوعة ومفاهيم عديدة. والأهم من كل ذلك، ستكون أنت الوحيد الذي سيدفع الثمن، وقتك، وجهدك، وحتى صحتك، أملاً في تصحيح وضعٍ قائم، من خلال التدقيق فيما يدور حولك للوصول إلى صورةٍ أكثر وضوحاً.
يجب تقبُّل الأخطاء بصدرٍ رحب، بل لا مانع أن نُخطئ أيضاً، وأن نجامل، ونتأخر عن الموعد، ونتجاهل، وغير ذلك، طبعاً في حدود ما يقبله العقل، ومَنْ تتعامل معهم باستمرار، وألا تكون هذه الأخطاء أو الهفوات سبباً لأي مشكلةٍ أو توترٍ في العلاقات بين الأصدقاء والأسرة وزملاء العمل، وغيرهم، فالحرص على الظهور بشكلٍ نموذجي متكامل بجميع المواقف وفي كل المناسبات، يقيد الذهن، ويصنع حواجز بين الفرد ومُحيطه الاجتماعي.
السعي نحو تحقيق مثالية في هذا الزمان أمر مستحيل، وهدف لن يصل إليه كائن مَنْ كان، في ظل التحوُّلات والتغيُّرات الاجتماعية المتلاحقة، وبالتالي مهما فعلت، فلن تستطيع ضبط العالم، ويجب التسامح مع نقائصنا، أياً كان نوعها، لراحة البال واتزان الحياة، وهذه أمور لن تتحقق إلا بالقبول والتعايش في هذا الكون، بكل تناقضاته وعيوبه، وما يحمله من ظواهر إيجابية نادرة تسعى جاهدة لمقاومة التيار الذي يُبحر بنا إلى مراسٍ مجهولة.