كنوز البصيرة «1»
حين يعلو الإدراك يتحرَّر القلب... «من زاد عقله نقص حظّه، وما جعل الله لأحدٍ عقلاً وافراً إلا واحتسب به عليه رزقه». علي بن أبي طالب
كل زيادة نافعة في العقل تُزيل التعلُّق بالدنيا. فالعاقل لا يطلب مكاسب زائلة، ولا ينخدع ببريقٍ لا يدوم. وكلما ازداد العقل عِلماً ونوراً، قلّ تعلقه بزينة الدنيا، لأن إدراكه العالي يُوجِّهه نحو ما هو أبقى وأعمق. ولعل هذا يوافق الإشارة القرآنية في قوله تعالى: ﴿ وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم﴾، لا لأن الدنيا سيئة بذاتها، بل لأنها محدودة، لا تليق بروحٍ واسعة.
فالعاقل لا يُغريه الحظ العابر، ولا تستهويه المكاسب السريعة. وكلما اتَّسع إدراكه صغرت الدنيا في عينيه، وانتهزت قيمتها المادية أمام المعاني الأبدية. فيرى ما وراء الظاهر، والبقاء خلف الزوال، والمعنى خلف الواقع. ومن هنا تتولَّد البصيرة، فمن زاد عقله زاد إدراكه، ومن زاد إدراكه قلّ تعلقه.
وكأن الله يُوازن الكفَّتين: من وهبه نور العقل قلَّل عنه متاع الدنيا، حتى لا يُفتن بسطحيتها.
الخيال بوابة إن فتحتها بحِكمة أوصلتك للمعنى، وإن تركتها بلا إدراك قادتك إلى الضياع.
فهي ليست هروباً من الواقع، بل المكان الذي تُصنع فيه التوقعات الراسخة، وما يتوقعه القلب يسعى له العقل، ثم تتشكَّل به القرارات.
لهذا، فالخيال نوعان، بوابة اليقين، وهي التي تفتح أبواب التوقع الراسخ: توقع الخير، ورؤية الإمكان قبل ظهوره، ويوقن بأن ما عند الله أعظم من كل ما يُمتلك في الظاهر.
هذا التصوُّر يوسِّع القلب، ويرفع مقام المتعبد، ويجعله يسير مطمئناً من دون لهاثٍ أو نقص.