بدون مجاملة: المتذمرون الصغار
من طبيعة الإنسان أن تكون له آراء وانطباعات، عواطف وردود أفعال، إزاء حياته، بكل مواقفها وفصولها، وتجاه الآخرين والأوضاع. ومن الضروري أن تكون له معايير ينطلق منها، ويبني عليها، وينقد تبعاً لها. لكن السائد والغالب أن ينحى الجمهور نحو التأفف والاستياء والذم، بدلاً من التنبيه والتقييم والاقتراح.
الغريب أنه حتى صِغار السِّن أصبحوا يتململون ويُكثرون الشكوى، وتلقاهم بوجوهٍ مكفهرة جامدة معظم الأوقات؛ يشتكون من الدراسة، ويشتكون من الزحام، ومن النظام، ويشتكون من أُسرهم وزملائهم وأقاربهم، ويشتكون من المرافق والأماكن والخدمات، ويشتكون من الجو! كل المواضيع تعاني خللاً، بل بالأصح يجدونها بكُليتها خاطئة مُتعبة سيئة، بدلاً من الطرح الجاد والنقاش والمحاولة للتحسين. لذا فهم عالقون في حالةٍ من الانزعاج والغضب تجعلهم متوترين، ويشعرون بالإرهاق، ولا يقدِّرون النِّعم، ولا يركزون فيما بين أيديهم.
عادة ما نجد مَنْ هم بهذه السِّن قليلي الصَّبر، لديهم نظرة قاصرة بقصر وجودهم على الكوكب وقلة خبراتهم، لكنها ليست مسألة مُطلقة، قد تكون سِمة أو سبباً، يواجهها عالم ضخم من المعارف والفنيات والآداب مع تربية سليمة وتوجيه واعٍ وتبصير.
يُشاع دائماً أن سِن المراهقة مرحلة حرجة يُصاحبها الطيش والتناقض والحدية، وبات هذا عُذراً للتهاون في التعامل مع المراهقين. مرحلة البلوغ هي سِن التكليف، وفيها ينمو الدماغ بصورةٍ مذهلة، ويتمكَّن الإنسان من التمييز بين الصواب والخطأ، ويتعلَّم تحمُّل المسؤولية والمشاركة بصورةٍ أكبر، وهنا يتبيَّن أثر التربية وبيئة المنزل. حتماً لابد من التفاوت، لكن ليس صحيحاً أن نرضى بالتمادي، واعتباره من طبيعة المراهقين.
لماذا نجد مَنْ يُبادر ويتلقاك بالبِشر، ومَنْ يمارس هواية بتفانٍ، ومَنْ يشارك في الأندية، أو يطوِّر مهارة لديه، مقابل مَنْ يفتعل المشكلات، ويُخالف القوانين، ويُؤذي الناس، ويتلف الممتلكات العامة.
الأسرة التي تهمل النُّصح والتوعية، وتتساهل في العادات السلبية، وتسكت عن التذمر والشغب والتبرُّم، تُنتج فرداً في حالة سخطٍ مستمرة، لا يمكنه مُجاراة أي شيء، يهلع عند أتفه الأسباب، وينهار مقابل أبسط العوائق، يشتاط أمام الاختلافات الصغيرة، ويثرثر ويجادل ويتجاوز حدوده.
إن التنشئة الحسنة التي تؤمن بقدرات الأبناء وفهمهم ومسؤوليتهم، وتشجع على الاستمتاع بالمُتاح، وتدعم الأنشطة الهادفة، وتُنصِت وتتحرَّك وتُرشِد، هي الأساس لبناء جيلٍ خلوق متزن ناجح.