صُنع... في أميركا وانكشف في الهند

نشر في 14-11-2025
آخر تحديث 13-11-2025 | 17:43
 د. محمد عبدالرحمن العقيل مازلت أتذكر في أوائل التسعينيات، كيف كانت الشوارع الأميركية مسرحاً مكتظاً بكل «موديلات» السيارات والدراجات النارية الأميركية، من الشاحنات العملاقة إلى دراجات «الهارلي ديفيدسون»، وكيف كان ولاء الشعب الأميركي ظاهراً لمنتجهم الوطني. وكيف كانوا يعتزون بصناعتهم ويدعمونها، ويقولونها بكل فخر «Made in U.S.A». كان شعوراً جماعياً ملحوظاً، وكان من يشتري المنتج الأميركي يعبّر عن حبه وانتمائه لوطنه.
لا شك في أن أفلام «هوليوود» كان لها الدور الأكبر قي تعزيز هذا المفهوم وتضخيم هذه الصورة، فكانت تُسوّق للعالم مدى قوة ومتانة السيارات الأميركية التي تتحدى الظروف والصّعاب، فهي قوية الصنع، لا يوقفها شيء، ولا يعوقها شيء، فتراها في الأفلام تخبط بمن أمامها، ولا تعطل ولا تقف، وتواصل طريقها بلا تأخير، وتقفز من واد إلى واد كالغزال، ثم تكمل طريقها بكل ثبات، ثم تَصدم وتُصدم وتتقلب خمسين مرة، وترجع كما كانت، لتواصل المغامرة بكل حرارة! والجمهور يصفق لهذه المشاهد ويتفاعل معها، لأنها تشعرهم بنشوة النصر وقوة منتجاتهم وصلابتها.
والعجيب أننا نصدق الأفلام الأميركية، ونضحك من الأفلام الهندية!... لأن الهندي قليل الحيلة ومكشوف، ويبالغ في الكذبة، ومبالغته الزائدة لا تفسد المشهد فحسب بل تفسد الفيلم والسمعة معاً. أما الأميركي فهو محترف في كذبه، وبارع في حيله، وأستاذ في خدعه، جعل من السينما دراسة أكاديمية وصناعة تُحترف، ولها أصول في الكتابة والصياغة والحبكة والتمثيل والإخراج، فالأميركي يعرف كيف يجمّل ويشوّه، وكيف يهوّل ويهوّن، وكيف يوضّح ويضلل.
عزيزي القارئ؛ إن كل ما ذكرناه يعتبر لا شيء وتسلية بجانب الأكاذيب الكبرى لأميركا، فهل تعلم أنه في أواخر الستينيات، كانت الولايات المتحدة تعيش أزمات متلاحقة؛ حرب فيتنام تستنزف هيبتها العسكرية، والاضطرابات الداخلية تهز صورتها كقوة ديموقراطية مستقرة، فيما يتفوق الاتحاد السوفياتي في سباق الفضاء بإطلاق أول قمر صناعي «سبوتنيك» وأول إنسان إلى المدار.
وجدت واشنطن نفسها بحاجة ماسة إلى نصر رمزي يعيد الثقة بقدرتها على قيادة العالم. فجاء مشروع أو خدعة «أبولو» كرهان استراتيجي على التكنولوجيا والعلم. وفي 20 يوليو 1969، عندما ظهر نيل آرمسترونغ على شاشة العالم كأول رجل تطأ قدمه على سطح القمر، لم يكن المشهد مجرد إنجاز علمي فقط بل كان انتصاراً سياسياً ونفسياً مدروساً، فقد بدا أن أميركا تجاوزت حدود الأرض نفسها، مانحة العالم صورة لتفوّقها العلمي ولقدرتها على تحقيق المستحيل. وبذلك؛ تحوّل الهبوط على القمر إلى أداة لإعادة رسم ميزان القوة في تلك الحرب الباردة، إذ استخدمته واشنطن لتثبيت ريادتها وإرباك الخصم السوفياتي.
ورغم ظهور نظريات تشكك في حقيقة الهبوط على القمر فإن أميركا حققت مرادها وأبهرت البشرية بقدراتها المتطورة، حتى غدت روايتها حقيقة ثابتة بين الناس، وأصبح من الصعب إثبات عكس ذلك، خصوصا بعدما أُعجب الناس بالقصة وصدقوها وتداولوها فيما بينهم... بل وزادوا عليها قصة نيل آرمسترونغ عندما سمع الأذان في القمر!
back to top