دراسة: القيود القانونية على فرض الرسوم العامة

• الرسم العام يختلف عن الضريبة العامة من حيث الأداة القانونية المفروضة بها

نشر في 13-11-2025
آخر تحديث 12-11-2025 | 18:44
 د. سارة خالد السلطان

أعلنت الحكومة توجهَها لإعادة تقييم الرسوم العامة المفروضة على الخدمات الحكومية، وتمهيداً لذلك صدر المرسوم بقانون رقم 1 لسنة 2025 بشأن الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة، الذي ألغى العمل بالقانون رقم 79 لسنة 1995، والذي كان يقيّد الحكومة بزيادة قيمة الرسوم المحددة أصلا وقت صدوره. وفي ظل هذا التوجه الحكومي نحو زيادة الرسوم، يبدو من الضروري توضيح القيود القانونية التي يتعين على الإدارات الحكومية مراعاتها عند فرض الرسوم العامة.

أولا: ما المقصود بالرسوم والتكاليف العامة؟ 

الرسوم العامة هي مبالغ نقدية يدفعها الأفراد أو الشركات مقابل الحصول على خدمة محددة تقدمها جهة حكومية، مثل رسوم استخراج البطاقة المدنية أو إصدار الجواز. أي أن الرسم يُدفع مقابل خدمة إدارية مباشرة يحصل عليها الشخص. ويميز هذا المقابل المباشر الرسم عن الضريبة، التي تُفرض من دون مقابل خاص، إذ تستخدم الدولة حصيلتها في تمويل احتياجات عامة يستفيد منها الجميع بصورة غير مباشرة، مثل الأمن والتعليم والصحة والدفاع. 

وقد أوضح الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل، أثناء مناقشة المادة 134 من الدستور، هذا الفرق بجلاء، فبين أن الرسم يُفرض مقابل خدمة خاصة، كالرسم القضائي أو التعليمي، بينما الضريبة واجب وطني يُؤدى بحسب ثروة الشخص ويساره، حتى لو لم يحصل على فائدة خاصة. وقد تبنّت المحكمتان الدستوريتان بالكويت ومصر هذا التمييز في أحكامهما، معتبرتين أن وجود المقابل المباشر هو المعيار الحاسم الذي يُفرّق بين الرسم العام والضريبة العامة.

ثانيا: ما هي القيود المفروضة على الإدارة في فرض الرسوم؟

1. الرسوم العامة تفرض في حدود القانون

يختلف الرسم العام عن الضريبة العامة من حيث الأداة القانونية التي تُفرض بها، فقد نصّت المادة 134 من الدستور الكويتي على أن: «إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاؤها لا يكون إلا بقانون... ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم أو التكاليف إلا في حدود القانون»، ويُستفاد من هذا النص أن الضريبة العامة لا تُفرض إلا بقانون، أي أن المشرّع وحده هو من يملك سلطة إنشائها وتحديد وعائها ومقدارها والمكلّفين بها. أما الرسوم العامة فيكفي أن تُفرض في حدود القانون، أي بموجب تفويض تشريعي يسمح للجهة الإدارية بإصدار قرارات تنظيمية تحدد فئات الرسوم ومقاديرها وإجراءات تحصيلها.

فإذا تضمن القانون نصا يُخوّل وزيرا أو جهة حكومية فرض رسوم مقابل خدمة معينة، كان القرار الصادر بناءً على هذا التفويض متوافقا مع الدستور. أما إذا لم يرد نص قانوني يُجيز للإدارة فرض الرسم، فإن أي قرار إداري بفرضه يكون مفتقرا للسند القانوني، لأن الأصل أن الخدمات العامة تُقدّم مجانا، ولا يجوز تحميل الأفراد أعباء مالية مقابلها إلا بنص صريح من القانون. وفي هذا السياق، سبق أن أبدت إدارة الفتوى والتشريع رأيا قانونيا بشأن فرض رسوم مقابل استخراج كتيّب الاتفاقيات الضريبية والشهادات التي تصدرها إدارة الضريبة بوزارة المالية، وأكدت فيه عدم جواز فرض رسوم في ظل غياب نص قانوني يخول الوزارة ذلك.

ورغم أن القاعدة الدستورية تجيز فرض الرسوم في «حدود القانون» فإنه يجب التمييز عندما يتعلق الأمر بالرسوم التي تُنظّم التمتع بالحقوق والحريات، فهذه الرسوم يجب أن تُفرض بقانون لا بقرار إداري. ومثال ذلك الرسوم القضائية، إذ لا يجوز – من وجهة نظر قانونية ودستورية – أن تُفرض بقرار إداري، لأنها تتصل بحق التقاضي الذي يكفله الدستور، ولذلك أحسن المشرّع الكويتي صنعا حين حدّدها بقانون مستقل، مراعيا بذلك الحدود الدستورية.

ويُعد هذا القيد أحد أهم العوائق القانونية أمام الجهات الحكومية في الكويت عند فرض الرسوم العامة، إذ لا يوجد سوى عدد محدود من القوانين – نحو 40 قانونا – تخوّل الإدارات فرض رسوم على خدماتها. وتختلف هذه القوانين في مدى اتساع التفويض الممنوح للإدارة، فبعضها يمنح سلطة واسعة بفرض الرسوم من دون تحديد دقيق للخدمات، مثل القانون رقم 13/ 2020 بشأن قوة الإطفاء العام الذي يجيز للوزير المختص فرض رسوم مقابل خدمات القوة. بينما تحدد قوانين أخرى الخدمات التي يجوز فرض رسوم بشأنها على نحو دقيق، فلا يجوز فرض رسوم على غيرها، وإلا عُدّ ذلك مخالفة لمبدأ المشروعية. ومن أمثلة ذلك القانون رقم 1/2016 بشأن الشركات، الذي أجاز لذوي الشأن الاطلاع على عقود الشركات ومحاضر الجمعيات العمومية والحصول على نسخ منها مقابل رسم تحدده الوزارة المختصة.

اللافت أن بعض القوانين الحديثة – مثل قانون الضريبة على الكيانات متعددة الجنسيات الصادر عام 2024 – خلا تماما من نصٍّ يجيز للإدارة فرض رسوم على الخدمات التي تقدمها لهذه الشركات، وهو ما يقيد وزارة المالية في فرض أي رسوم ما لم يُصدر المشرّع نصا صريحًا يجيز ذلك.

أما عن سبب قلة القوانين التي تخوّل فرض الرسوم، فهناك احتمالان: إما أن المشرّع تعمّد ذلك لتقييد سلطة الإدارة في فرض الرسوم حمايةً للأفراد من الأعباء المالية، أو أن المشرّع أغفل النصّ على الأساس القانوني الذي يسمح بذلك عند إعداد بعض القوانين.

2. عرض مقترح الرسوم على مجلس الوزراء

يتضمن المرسوم بقانون رقم 1/ 2025 بشأن الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة قيدا مهما على سلطة الجهات الحكومية في فرض الرسوم، فقد نصّت المادة الثانية منه على أن: «تُحدِّد كل جهة الرسوم والتكاليف ومقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة بقرار من السلطة المختصة بكل جهة، وفقا للقانون المنظِّم لكلٍّ منها، وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء».

وعلى خلاف الاعتقاد السائد بأن هذا القانون يمنح الجهات الإدارية صلاحية جديدة لفرض الرسوم، فإنّه في الحقيقة لا يقرّر تلك الرخصة، بل يؤكد القيد الدستوري الوارد في المادة 134 من الدستور. فالقانون يشترط أن تكون لكل جهة إدارية سلطة فرض الرسوم فقط إذا أجاز لها قانونها الخاص ذلك صراحة. أما الإضافة الجوهرية التي جاء بها هذا القانون فهي اشتراط موافقة مجلس الوزراء قبل فرض أي رسوم جديدة، بما يضمن تنسيق السياسات المالية بين الجهات الحكومية المختلفة، وألا تنفرد كل جهة بفرض رسوم بمعزل عن الأخرى.

ويهدف هذا القيد – كما أوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون – إلى أن تقوم الجهات المعنية بدراسة الرسوم استنادا إلى تكلفة الخدمة الفعلية، وأن تُصدر قرار فرض الرسم فقط بعد موافقة مجلس الوزراء لضمان التوازن في الأعباء المالية على الأفراد.

3. الرسوم العامة يجب أن تتناسب مع تكلفة الخدمة الإدارية المقدمة

تُعرّف المحكمة الدستورية المصرية الرسم بأنه: «مبلغ يُستحق مقابل نشاط خاص تؤديه الجهة العامة، وعوضا عن تكلفته، وإن لم يكن مساويا لها تماما». ويعني ذلك أن الإدارة تملك – في الأصل – حرية تقديم خدماتها مجانا أو مقابل رسم يتناسب مع تكلفة الخدمة المقدمة، أو حتى تحديد قيمة تقع بين المجانية الكاملة وتكلفة الأداء الفعلية. لكن في جميع الأحوال، لا يجوز للجهة الإدارية أن تفرض رسوما تفوق نفقات تقديم الخدمة، لأن الدولة عند إدارتها للمرافق العامة لا تهدف إلى تحقيق الربح، بل إلى ضمان استمرار الخدمة وصيانتها. ومن ثم، فإن فرض رسوم باهظة تتجاوز تكلفة الخدمة يعد غير مشروع من الناحية القانونية، لأنه يُحوّل الرسم من مقابل خدمة إلى عبء مالي يشبه الضريبة.

وفي بعض الحالات، يتعمد المشرع تقييد سلطة الإدارة في تحديد قيمة الرسم لضمان التناسب والشفافية. فعلى سبيل المثال، نصّ القانون رقم 49 لسنة 2016 بشأن المناقصات العامة على أن تقتصر الرسوم التي تتقاضاها الجهة الإدارية مقابل طلبات الحصول على وثائق المناقصات على تكلفة نسخ وتوزيع المستندات فقط، وفقا لما جاء في المادة 89 من القانون. ويعني ذلك أن الإدارة لا يجوز لها أن تُحمّل هذه الرسوم أي تكاليف أخرى تتعلق بتسيير المرفق العام أو نفقاته العامة بشكل عام، بل يجب أن تعكس تكلفة الخدمة المحددة حصراً دون زيادة.

4. احترام القيود الدستورية والقانونية التي تحظر فرض رسوم على بعض الخدمات أو الأشخاص

توجد قيود دستورية وقانونية تمنع فرض رسوم على بعض الخدمات أو على فئات محددة من الأشخاص. فعلى سبيل المثال، نصّ الدستور الكويتي في المادة 40 على إلزامية التعليم ومجانيته، وتشمل هذه المجانية المرحلتين الابتدائية والمتوسطة وفقا لما ورد بالمذكرة التفسيرية. ولذلك لا يجوز فرض أي رسوم مقابل خدمات التعليم في هاتين المرحلتين، كما تضع القوانين الكويتية قيودا إضافية عبر نصوص الإعفاء من الرسوم لبعض الفئات، فالقانون رقم 8 لسنة 2010 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، على سبيل المثال، يعفي الأشخاص ذوي الإعاقة من دفع جميع الرسوم الحكومية مقابل الخدمات العامة. كذلك نص القانون رقم 18 لسنة 2016 بشأن الرعاية الاجتماعية للمسنين على إعفاء المسن المعوز من رسوم تسجيل مركبته الخاصة ومن أداء أي رسوم مقابل الخدمات العامة.

5. مراعاة العدالة الاجتماعية

تنص المادة 24 من الدستور على أن «العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والتكاليف العامة»، كما تمت مناقشة المادة 24 من الدستور، وقد ثار نقاش في المجلس التأسيسي حول المقصود بالتكاليف العامة، فأوضح الخبير الدستوري أن مصطلح التكاليف العامة يشمل كل ما يؤدى للدولة غير الضرائب، وهو ما يشمل الرسوم العامة. وفي ذلك تشجيع من المشرع الدستوري للمشرع العادي بمراعاة قواعد العدالة عند فرض الرسوم. وقد يكون ذلك في عدم فرض الرسوم العامة على الخدمات الأساسية التي قد يزيد استهلاكها عند الفئات محدودة الدخل، أو فرضها على هذه الخدمات مع جواز إعفائهم منها.

* أستاذة القانون - جامعة الكويت

back to top