من مشروع عقاري إلى رؤية عربية *

نشر في 12-11-2025
آخر تحديث 11-11-2025 | 18:45
 بدور المطيري

يبدو أن البحر المتوسط على موعدٍ جديد مع الفرح والتطوير والازدهار، مع إعلان مشروع «مرسى علم الروم»، الذي سيُعيد صياغة مفهوم الاستثمار العربي المشترك، فهو ليس وليد صفقة مالية عابرة، بل يمثل تجسيداً لرؤية عربية ترى في الاقتصاد أداة للنهضة، لا وسيلة للربح فقط، إذ أعلنت شركة الديار العقارية القطرية- التابعة لجهاز قطر للاستثمار، استثماراً ضخماً جداً يبلغ 29.7 مليار دولار في الساحل الشمالي المصري، ليبدو المشهد وكأنه تحالف جديد بين الطموح القطري والإمكانات المصرية نحو مستقبلٍ اقتصاديٍ واعد.

فالمشروع الذي تُطوِّره الشركة سيمتد على أكثر من سبعة كيلومترات من ساحل محافظة مطروح، ليضم مدينة متكاملة تحتوي على منتجعات فندقية، ومراكز طبية، وأحياء سكنية راقية، ليكون نموذجاً متكاملاً يدمج بين السياحة الفاخرة والبنية التحتية الحديثة، ويُحوِّل المنطقة إلى وجهةٍ اقتصاديةٍ وسياحيةٍ عالمية.

ومع هذا الإعلان الرسمي، يمكننا القول إن العلاقات القطرية– المصرية تمرُّ اليوم بمرحلة التوازن والنُّضج، فمصر تحتاج إلى استثمارات نوعية تعزز احتياطاتها النقدية، وتفتح فُرص عملٍ جديدة لشبابها، وقطر- من جهتها- تسعى لتوسيع محفظتها الاستثمارية في المنطقة العربية، وتنويع مصادر دخلها، عبر مشروعات ذات بُعد استراتيجي وإنساني في آنٍ واحد، فالمشروع بالنسبة للقاهرة دفعة اقتصادية حيوية، وبالنسبة للدوحة استثمار في الاستقرار والتنمية داخل العالم العربي.

ولنقرأ ما وراء الخبر، فإن الدوافع وراء هذا الاستثمار تتجاوز البُعد التجاري، قطر التي أثبتت حضورها الاقتصادي عالمياً، تُدرك أن قوة المنطقة العربية تبدأ من تعاونها الاقتصادي، وأن بناء شراكات منتجة هو أكثر فاعلية من المساعدات التقليدية، لذلك يأتي هذا المشروع كترجمةٍ لفكرة الشراكة، لا المساعدة، ورغبةً في أن يتحوَّل رأس المال العربي إلى أداة تغيير حقيقية في حياة الشعوب.

حقيقة، إنها لحظة نُضج فكري وتجاري لدى الدول العربية، خصوصاً الخليجية، التي باتت تُدرك أن استثماراتها في العالم العربي ليست مجاملة، بل فرصة استراتيجية مُربحة ومؤثرة، فاليوم بعد أزمات عالمية متكررة، مثل: «كوفيد»، والحرب الروسية- الأوكرانية، وتقلب أسعار الطاقة، عاد الوعي بأهمية بناء اقتصادٍ عربي مترابط يحمي المنطقة من الصَّدمات الخارجية. لهذا السبب يُعد الاستثمار القطري في مصر نموذجاً واقعياً للانتقال من الشعارات إلى الأفعال، من دعم الأشقاء إلى شراكات إنتاجية حقيقية تعود بالنفع على الطرفين.

هذا الاستثمار من أكبر الاستثمارات في المنطقة العربية، وهو بذلك لا يمثل إنجازاً اقتصادياً فحسب، بل هو دليل على أن الثقة بين رؤوس الأموال العربية عادت لتترجم إلى أفعالٍ ملموسة على أرض الواقع.

ثمة ما يفرح بهذا الخبر ولا يتعلَّق بالمشروع والمباني وفُرص العمل والتغيير الذي سيعمله للآلاف من الشعب المصري، هو وجود إرادة عربية تسعى إلى أن تكتب فصلاً جديداً في التاريخ الاقتصادي للمنطقة، فالاستثمارات هي جسور من الثقة بين الدول والاقتصاد، لغة سلام وتنمية وتطوير للشعوب، ومتى ما أدرك العرب أن المال الذي يستثمر في أرضهم هو استثمار في مستقبلهم المشترك، حينها فقط يمكن القول إن النهضة لم تعد حلماً، بل أصبحت واقعاً يتشكَّل على رمال ساحل المتوسط.

* يُنشر بالتزامن مع صحيفتَي الأهرام المصرية والشرق القطرية

back to top