الحفاظ على الثوابت الوطنية والدستورية

نشر في 11-11-2025
آخر تحديث 10-11-2025 | 19:41
 د. محمد المقاطع

في الأيام الماضية دار نقاش مع عدد من الأصدقاء، طُرح خلاله سؤال هو: هل الدستور قائم؟ فأجبت على الفور: نعم، وبكل تأكيد.

فتعطيل الدستور مؤقتاً لا يعني البتّة عدم وجوده كما يظن البعض، وهو ما نراه في الالتزام به وتطبيق أحكامه في العديد من الأحوال، منها الالتزام بمواعيد الميزانية، وكذلك إصدار القوانين والمراسيم وفقاً لما هو مقرر في الدستور، ومنها أيضاً ما يتعلق بتكليف رئيس الوزراء، وكذلك بتطبيق العديد من القوانين وعمل السلطة القضائية.  

ولا شك أن حل مجلس الأمة جاء في توقيت مناسب، ولأجل وضع إيجابي، رغم تعطيل بعض أحكام الدستور مؤقتاً.

فقد كانت ممارسات عدد ليس قليلاً من أعضاء المجلس تخرج عن أحكام الدستور، وتقوم بممارسات واستخدام أدوات خلافاً للدستور ونصوصه، وقد ذكرت ذلك مراراً وتكراراً في مقالات عديدة بوجود مجالس الأمة، وأوضحت ذلك للعديد من الأعضاء، لكنّني لم أرَ منهم آذاناً صاغية! بل إن حالة الحظوة والنشوة بالمقعد النيابي كانت تمثّل لهم زهواً وشعوراً بأن الأمور جميعها تحت أيديهم، وهم يفعلون ما يرغبون به دون سقف وحدود، وهو سبب جوهري للخلل الذي صار معه حل المجلس وتعطيل الدستور محلاً لترحيب شعبي كبير، بل إن الأمور بلغت حداً داخل المجلس، كما وصفه سمو الأمير، وداخل المجلس، وهو «تواطؤ السلطتين التشريعية والتنفيذية للإضرار بمصالح البلاد».

وفي ضوء ذلك، نقف اليوم أمام مراجعة للتجربة الديموقراطية التي أصبحت بحاجة ملحّة إلى الدراسة والمراجعة، ووضع أفضل الحلول لها قبل أن يُستأنف العمل بالدستور وعودة انتخابات مجلس الأمة، ومن ذلك وضع تصورات بشأن تلك الحلول النابعة من تشخيص مَواطن الخلل ومواضع تعثّر التجربة الديموقراطية، ومن تلك التصورات:

1- ضرورة تنقية ملف الجنسية كاملاً مما شابه من عبث وانتساب وازدواج وتزوير، وهو ما بدأ ولا يزال مستمراً، حتى لا يبقى ناخب ولا نائب ممن أخذ الجنسية بطريق غير مشروع.

2- تصحيح المسار للتجربة والممارسة الديموقراطية، ووضع ما يلزم من نصوص وأحكام لضبط العمل البرلماني الذي فقد بوصلته الوطنية وقيمه البرلمانية وتجاوز الثوابت الدستورية، وقفز على حدود فصل السلطات وأهدر مرجعيتها. وربما يرى البعض أن ذلك يتحقق بتعديل أحكام الدستور، وأرى أن تحقيق ذلك ممكن ومتيسر وفعال بتعديل عدد من القوانين ذات الصلة، وهي قوانين الجنسية، والانتخابات لعضوية مجلس الأمة، واللائحة الداخلية للمجلس، والمحكمة الدستورية، وتنظيم القضاء، وهيئة عليا للانتخابات، وجميعها كفيل بأن يقدم مساراً تصحيحياً كافياً ومناسباً لتصحيح مسار التجربة الديموقراطية.

3- تعديل قانون الدوائر الانتخابية، لتخليصه من التقسيمات المبنية على المناطقية والفئوية والقبلية والطائفية وكل نمط لتمزيق المجتمع، ومنع ظواهر سلبية مثل شراء الأصوات والارتباط بالخدمات وإجراء انتخابات فرعية رسمية أو غير رسمية، وذلك بالأخذ بنموذج النظام العشوائي للدوائر المبني على يوم ميلاد الشخص والتشدد في دقة وسلامة سجل الناخبين وتحديثه بشكل عملي.

4- تحديد مسارات عمل مجلس الأمة، بوضع قيود محددة في اللائحة الداخلية للموضوعات التي لمس من خلالها في التجارب الماضية الانحراف والشطط في التجاوز النيابي على أحكام الدستور، وكذلك بالنسبة للحكومة عدم قبولها بما هو خلاف الدستور كما حدث في الماضي.

وفي ضوء ذلك يمكن أن يتم تحقيق الإصلاح المرجو للمسار البرلماني والتجربة النيابية في الكويت على نحو يتوافق والثوابت الوطنية والدستورية للكويت.

back to top