ديموقراطية أنتجت «ممداني» لا تصلح عندنا
المجتمع الأميركي "الأصلي" بأغلبية ولاياته الشرقية التي نشأت فيها العبودية مجتمع عنصري، واستمر على الفصل العنصري حتى أواخر الستينيات. عنصرية تصادمت مع مهاجرين من أوروبا ثم انتقلت إلى الآسيويين وكبّلتهم بقيود منعت تجنسهم حتى الأربعينيات.
إن حصول هذه العرقيات والسود منهم على مناصب لم يغير السياسة الأميركية لمصلحتهم كأقليات، فزعماء حركات التحرر السود، سواء المسيحي مارتن لوثر أو المسلم مالكوم أكس، تم اغتيالهم في الستينيات، ولم ينجح أوباما كرئيس في تنفيذ وعوده، واستمرت العنصرية وأشهرها حين جثا شرطي أبيض على عنق "فلويد" الأسود الذي ناشده إحدى عشرة مرة "لا أستطيع أن أتنفس" حتى مات، وحوادث ضرب وقتل أخرى، ولم يستطع مواجهة قوة اللوبي الأبيض والصهيوني الذي كاد أن يعزله، كما لم يحظَ باحترام نتنياهو عندما زار أميركا، وأحرجه بتصفيق الكونغرس له في أطول وقفة احترام تاريخية لرئيس أجنبي!
أما الأقليات المسلمة فتشير إحصائيات غير دقيقة إلى وصولهم لنحو أربعة ملايين نسمة، وربما أكثر، بما يعادل 1% من سكان أميركا، أكثرهم في نيويورك التي تصل نسبتهم فيها إلى ستة في المئة. لقد شارك ستة وسبعون مرشحاً مسلماً في انتخابات الولايات، فنجح ثمانية وثلاثون مرشحاً فاز منهم بمنصب عمدة مدينة، إضافة إلى زهران ممداني، فيض الكبير ومحمد بيضون وعبدالله حمود، وغزالة هاشمي بمنصب نائب حاكم ولاية، وفاز آخرون بمناصب مختلفة.
إن علينا استيعاب قوة الرجل الأبيض المسيحي في الولايات المتحدة وسيطرته على جماعات الضغط السياسي والشركات الضخمة ليس في أميركا بل في العالم، وتحكمه بالمجمعات الانتخابية للرئاسة والقوة التصويتية وتحالفه مع اللوبي الصهيوني الذي يمسك بخيوط الأموال والاقتصاد والسياسة بالعالم، وبحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ثم يأتي الجانب المضحك حين يفرح المسلمون في أميركا بنجاح زهران ممداني، كما فرحنا للوهلة الأولى كمسلمين خارج أميركا، وكأنه سيغير نيويورك وسياسة أميركا تجاه العالم العربي! بينما مذهب زهران يمثل جزءاً من مسلمي أميركا وليس جميعهم، وهو مدافع شرس عن المثلية، وبالتالي لن يؤيده أغلبية المسلمين المحافظين داخل أميركا وخارجها، ونحن منهم.
ولكننا استمتعنا بمشاهدة هذه الأقليات بعد أن تجنست ونجحت في الانتخابات وطالبت بحقوقها السياسية والمدنية في الوقت التي تفخر بدينها وبأصولها وانتمائها العرقي، وتمارس مظاهر احتفالاتها بلغتها الأم ولباسها الشعبي، حتى أثارت حفيظة الرجل الأبيض، مما جعل ترامب يسخر من كيفية أكل زهران للأرز بيده.
وهنا ننتقل للمقارنة بين الديموقراطية في أميركا وعندنا، رغم اختلاف النظام السياسي برمته، فكلانا، بعد فترة من استيفاء الشروط، يستطيع المتجنس الترشح للانتخابات، ولكنهم في أميركا أقليات مختلفة الأعراق والديانات والمذاهب ويشكلون أقل من ثلاثين في المئة، وبالتالي لا يمكنهم التكتل للسيطرة على الرجل الأبيض، أما المادة 44 فقد جعلت المتجنس بصفة أصلية ومن ينتسب له عرقياً من الكويتيين يغيرون أكثر من نصف مجلس الأمة ليسيطروا على البرلمان والقرار السياسي والتركيبة السكانية حتى طالبوا بتجنيس أربعة آلاف سنوياً، وإنشاء لجنة بالمجلس للمقيمين بصورة غير قانونية! حتى جاء الحزم وأفشل المخطط.
إن نموذج المادة 44 هو مرآة للنموذج الأميركي الذي أوصل مهاجرين متجنسين لمقاعد البرلمان ولكنهم أقليات غير مؤثرة، أما عندنا فأصبحوا أكثرية قبلية مؤثرة تجعلنا نطالب بوقف تعديل المادة الواردة أعلاه لتشابهها مع نموذج ديموقراطية أنتجت "زهران ممداني" لأنها لا تصلح عندنا.
***
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.