رياح وأوتاد: زهران بين الإفراط في التفاؤل والتفريط

نشر في 09-11-2025
آخر تحديث 08-11-2025 | 20:06
 أحمد يعقوب باقر

يبدو أن هناك تحولاً في موازين الرأي العام حول الصراع الفلسطيني - الصهيوني، وآخر مظاهر هذا التحول هو فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك، أكبر وأقوى مدينة أميركية، وكان تأييد زهران لقضية فلسطين عاملاً في نجاحه، إضافة إلى عوامل أخرى، أهمها انتماؤه للحزب الديموقراطي، وهجومه القوي على ترامب، ودعم اليهود الأرثوذوكس الذين يرفضون الصهيونية، وكذلك طرحه القوي في الانتخابات لمصلحة الفئات المحتاجة في نيويورك. 

وبعد نجاح زهران سارعت بعض وسائل التواصل العربية بالفرحة العارمة مرحبين ومتفائلين بأن هذا الفوز سيحدث تغييراً ملموساً في السياسة الأميركية لفلسطين، بينما هاجمته وسائل أخرى بسبب دينه وميوله الداعمة للمثليين واتهمته بالوصولية.

وأعتقد أن أي مسلم سيرحب بحصول من يؤيد فلسطين على المناصب المهمة في العالم، ولكن الإفراط في التفاؤل يتجاهل حقائق أساسية، منها أن زهران عضو في الحزب الديموقراطي العلماني الذي له مبادئ معينة لا يمكنه الخروج منها، كما أن اللوبي الصهيوني سيحارب برامجة المكلفة وخاصة هدفه بالقبض على نتنياهو إذا دخل نيويورك، كما سيقاومه ترامب بوسائله المعهودة، علماً بأن تأثير عمدة أي مدينة في السياسة الخارجية محدود جداً.

وفي الجانب الآخر، فإن ما نشر عن دينه وميوله فإنه مفيد في تعريف العالم الإسلامي به وبخلفيته الدينية، وتأييده هذا لفلسطين لا يختلف عن كثير من الشعوب والأحزاب والقيادات في العالم الذين أيدوا فلسطين وشجبوا جرائم الصهاينة، وقد رحب المسلمون في العالم بتأييد هؤلاء لفلسطين مع معرفة اختلافهم عنا في الدين والميول والمواقف الأخرى،   كما لا يخفى أن منافسي زهران لهم مبادئ أكثر سوءاً منه، ومواقف تخالف مصالحنا وديننا أيضاً.

فالترحيب إذاً يجب أن يحاط بالمعرفة التامة بالخلافات العقائدية والمواقف الأخرى، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثناؤه على المطعم بن عدي بشأن أسارى غزوة بدر فقال «لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النَّتْنَى لتركتهم له»، وذلك تقديراً لدور مطعم الذي أجار النبي عند عودته إلى مكة، كما ثبت ثناؤه على النجاشي فقال «إن في أرض الحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد»، وذلك عندما هاجر المسلمون الهجرة الأولى إلى الحبشة قبل إسلام النجاشي، ومثل ذلك أيضاً ثناء حكومة الكويت وشعبها على موقف الولايات المتحدة ورئيسها في تحرير الكويت رغم الخلاف في قضايا أخرى مثل الموقف من قضية فلسطين، واستخدام «الفيتو» في مجلس الأمن للحيلولة دون حقن الدماء في غزة وكثير من قضايا الحريات والأخلاقيات.

الخلاصة أن هناك تحولاً مؤيداً لفلسطين في ميزان الرأي العام في العالم، وأن هذا التحول أوصل قيادات مؤيدة له إلى مناصب مهمة، ولا شك أن كل مسلم يرجو أن يستمر هذا التأييد، وأن ينمو ويؤتي ثماره بقرارات تخدم المطلب العربي والفلسطيني الأساسي وهو دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل حرب 1967، ويجب الآن وبعد هذه المكاسب عدم تراجع أي دولة عربية عن هذا المطلب، ودعمه بإنشاء لوبي عربي إسلامي في عواصم العالم المهمة للحصول على تحول أكبر في الرأي العالمي.

back to top