الإنفاق انخفض... والعبث الاقتصادي مستمر!
الأرقام مرعبة، والمؤشرات الاقتصادية في الكويت تسجّل تراجعًا مقلقًا في كل الاتجاهات. الإنفاق يتراجع، الأسواق راكدة، وثقة المستثمرين تتآكل يومًا بعد يوم. وبينما العالم يستعد لأزمة اقتصادية وشيكة، نجد في الكويت مَن لا يزال يعبث بمفاصل الاقتصاد بقرارات مرتجلة، وكأنها تجارب شخصية في مختبر سياسي لا في دولةٍ تبحث عن الاستقرار والنمو.
آخر مظاهر هذا العبث كان قرار وقف التعامل النقدي (الكاش) في محال الذهب، بحجة مكافحة غسل الأموال. وكأن «الكاش» أصبح جريمة بحد ذاته! هذا القرار ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة من القرارات غير المدروسة التي تصدر دون مشاورة أهل الاختصاص أو تقييمٍ لأثرها على السوق والمجتمع.
نعم، مكافحة غسل الأموال قضية مهمة، لكن حين تتحول هذه القضية إلى شمّاعة تُعلّق عليها كل إجراءات التضييق والارتجال، يصبح الخطر أكبر من الفائدة. فالقرار لا يضرب فقط قطاع الذهب، بل يرسل رسالة خطيرة إلى كل الأسواق: أن القرارات في الكويت يمكن أن تُتخذ في لحظة، دون دراسة أو حوار أو فهم لطبيعة النشاط التجاري.
نتيجة ذلك واضحة: شلل في الحركة الشرائية، ركود في الأسواق، وتراجع في ثقة الناس. المواطن بات يخشى أن يشتري أو يبيع، والتاجر أصبح يعيش على أعصابه، لا يعرف متى يصدر قرار جديد يهدد مصدر رزقه أو يجمّد أمواله.
الاقتصاد لا يُدار بالعواطف ولا بالتصريحات الإعلامية. فبينما تضخّ الدول الكبرى مليارات لتحفيز الإنفاق ومساندة الأسواق، نجد بعض الوزراء في الكويت يضيّقون الخناق على الاقتصاد المحلي، وكأن الهدف هو معاقبة السوق لا إنعاشه.
إن استمرار هذا النهج يعني ببساطة أننا نسير نحو انكماش اقتصادي حقيقي، وخلق سوقٍ موازية خارج السيطرة الحكومية، تمامًا كما حدث في قطاعات أخرى حين غابت الرؤية وارتبك القرار.
الوزراء الذين يصدرون هذه القرارات يتحملون مسؤولية مباشرة أمام الشعب والتاريخ. فالأوطان لا تُدار بالارتجال، والأسواق لا تُنظَّم بالمنع، بل بالفهم والتخطيط والمشاورة. المطلوب اليوم مجلس اقتصادي وطني يضم خبراء من القطاعين العام والخاص، يضع سياسات واضحة تحفّز الاستثمار وتعيد الثقة المفقودة.
الكويت لا تفتقر إلى المال ولا إلى العقول، بل إلى إدارة رشيدة تفهم لغة الاقتصاد وتكفّ عن العبث به. إن إنقاذ السوق يبدأ بإعادة الثقة، لا بإصدار أوامر تربك الناس وتشلّ الحركة التجارية.
كفى ارتجالًا، فالأوطان لا تنهض بالقرارات المفاجئة، بل بالعقول التي تُفكر قبل أن تُقرر، وتبني قبل أن تهدم.