تفعيل العدالة الانتقالية في سورية الجديدة
نشرت وكالة الأنباء السورية (سانا) في 28 أكتوبر خبراً عنوانه: تعاون بين سورية ورواندا في مجال العدالة الانتقالية لتطوير نموذج وطني يستند لتجارب رائدة.
وأوضحت أن وفداً من الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية قام مع رئيس الهيئة «بزيارة رسمية إلى جمهورية رواندا، بهدف دراسة التجربة الرواندية في تجاوز آثار الإبادة الجماعية، وبناء السلام المجتمعي، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الرواندية المعنية، بما يُسهم في دعم مسار العدالة الانتقالية في سورية، وترسيخ مفاهيم المصالحة الوطنية والسلم الأهلي». ونذكر بالمرسوم رقم 20 الذي أصدره الرئيس السوري في 17/ 5/ 2025، والقاضي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية.
توجد عدة تعاريف لمفهوم «العدالة الانتقالية»، أحدها صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، فهذه العدالة هي: «كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة، وإقامة العدالة، وتحقيق المصالحة». وتهدف «إلى الاعتراف بضحايا تجاوزات الماضي على أنهم أصحاب حقوق، وتعزيز الثقة بين الأفراد في المجتمع الواحد، وثقة الأفراد في مؤسسات الدولة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون، وبالتالي تسعى العدالة الانتقالية إلى المساهمة في المصالحة، ومنع الانتهاكات الجديدة».
لا يُراودني شك بضرورة الاطلاع على تجربة رواندا في مجال العدالة الانتقالية، والاستفادة من هذه التجربة على مختلف الأصعدة، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخ سورية الجديدة، لكن من الضروري التذكير بداية بأن المأساة في رواندا دفعت بمجلس الأمن إلى إصدار قراره رقم 955 في 1994، القاضي بتأسيس المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، والتي كانت مختصة بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية. فالتجربة الرواندية على شقين: بدأت بتأسيس محكمة جنائية مؤقتة، ولاحقاً في عام 1999 بتأسيس لجنة الوحدة الوطنية والمصالحة الوطنية.
كان من الأجدر أن تزور بداية هيئة العدالة الانتقالية السورية المملكة المغربية، وتطلع على تجربة العدالة الانتقالية فيها، والتي تُعد- برأيي- من بين أفضل التجارب العربية والإفريقية. فقد قام الملك محمد السادس بتأسيس هذه الهيئة عام 2004، وشملت الفترة الزمنية التي طُلب منها تغطية السنوات من 1956 إلى 1999. وعملت هذه اللجنة لمدة عامين (2004-2006)، وأصدرت تقريراً شاملاً مع العديد من المقترحات والتوصيات المتميزة بغرض الوصول إلى الإنصاف والمصالحة.
أتمنَّى أن يكون على جدول أعمال الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في سورية زيارة قريبة للمغرب، للاطلاع على تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، والتحاور من أعضائها السابقين، والاطلاع على أعمال ونشاطات المجلس الوطني لحقوق الإنسان ذي التاريخ المعروف في مجال تعزيز حقوق الإنسان، وبشكلٍ يسمح لاحقاً باستلهام كل التجارب للمُضي في تحقيق العدالة الانتقالية، وسعياً لتأسيس لجنة وطنية سورية مستقلة لحقوق الإنسان.
كما انتظر أن يكون لهذه الهيئة، التي تجتهد في تنفيذ مهامها، موقع رسمي نتابع فيه أخبارها بشكلٍ مباشر، ونطلع على نظامها الداخلي، وعمل مختلف لجانها، وبشكلٍ يسمح بمتابعة نشاطاتها بكل شفافية، والوقوف على الخطوات التي قامت وستقوم بها بغرض كشف الحقائق والإنصاف، وتعزيز السِّلم الأهلي، ومنع أي انتهاكات جديدة.
* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا