مرافعة: دعاوى انعدام الأحكام

نشر في 09-11-2025
آخر تحديث 08-11-2025 | 21:25
 حسين العبدالله لم ينظم المشرع الكويتي، وعلى نحو صريح، الدعاوى القضائية التي يتم رفعها بغية مواجهة تعارض الأحكام القضائية الباتة أو الصادرة من محكمة التمييز، وإنما نظم بعض الحالات للنيل من الأحكام النهائية، عبر قواعد التماس إعادة النظر على الأحكام المدنية والتجارية، وكذلك في شأن دعوى بطلان الحكم القضائي وفق الحالات المقررة لذلك. 
والمشرع الكويتي «لم ينص صراحة على دعاوى انعدام الأحكام القضائية التي فقدت أركانها وتجردت من شرائطها الإجرائية والموضوعية، ومنها ما يتناول مخالفة تلك الأحكام الباتة لمبادئ حجية الأحكام القضائية الصادرة في ذات المسألة الموضوعية وبين ذات أطراف الخصومة، وعن ذات سبب الدعوى، وهو ما يخالف قواعد قانون الإثبات الحاكمة لمبادئ حجية الأحكام القضائية، فضلاً عن مخالفتها للفقه والقضاء». 
والدعوة اليوم إلى تنظيم دعاوى انعدام الأحكام القضائية أو إعادة النظر في حالات الالتماس وإعادة النظر في الأحكام التجارية والمدنية والإدارية، بما يشمل جواز تقديمها على الأحكام التي فقدت أركانها وتجردت من شرائط صدورها الإجرائية والموضوعية وبحق تقديمها على الأحكام الصادرة من دوائر محكمة التمييز، على اعتبار أن النص الحالي لا يسمح بالتماس إلا على الأحكام النهائية، أي الصادرة من دوائر محكمة الاستئناف. 
وتقرير دعاوى انعدام الأحكام القضائية أو معالجتها وفق قواعد الالتماس لإعادة النظر في الأحكام القضائية يقتضي ألا يتم عرض تلك الدعاوى أو الالتماس على ذات الدائرة القضائية مصدرة الحكم، والتي يكشف الواقع العملي عدم تحقق جدوى أمر عرض الالتماسات أمام ذات الدائرة القضائية، والتي تنبه لها حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر قبل نحو عام بأن في شأن ذلك تحقق علة إعادة النظر في المسألة الملتمس فيها، وذلك لعدم صلاحية المحكمة في نظر الدعوى مجددا، والتي سبق أن أبدت رأيا فيها ما يستلزم عرض الالتماسات على الدوائر القضائية الأخرى ضمانا لمبدأ حياد القاضي وحق المحاكمة المنصفة. 
ودعوة التشريع إلى تنظيم دعاوى انعدام الأحكام القضائية ومراجعة قواعد التماس إعادة النظر في الأحكام القضائية في ظل غياب قواعد مخاصمة القاضي أمر في غاية الأهمية، لاسيما أن من شأن تلك الأحكام المتعارضة والمتضاربة النيل من حقوق المتقاضين، وتلحق الفوضى في مراكزهم القانونية بما يفضي إلى ضياع حقوقهم وبما يهدد الأمن والنظام العام! 
فكيف لحكم قضائي بات يحسم النزاع القضائي في أحقية متقاض ببعض الحقوق المالية المتنازع عليها وقد قبضها هذا المتقاضي منذ سنوات طويلة ثم يأتي حكم بات آخر لينال من الحكم البات الذي أقر المسألة الموضوعية بين ذات الخصوم وعن ذات السبب، ويهدر الحق وكأن الحكم البات السابق والمحتج به لا قيمة ولا أثر له في نظر الحكم الأخير الذي أهدره، وأضاع حق المتقاضي بشأنه وألزمه بإعادة مبالغ هي حق له في ظل حكم بات سابق ! 
لا قواعد لالتماس إعادة النظر ولا دعوى لبطلان الأحكام تعيد للمتقاضي حقه في رد هذا الحكم الأخير المنعدم في قواعده وشرائطه لأن قواعد الالتماس لا تسمح بتقديمها على الأحكام الباتة وإنما النهائية، فضلا عن أن الحالات المقررة لدعاوى بطلان الأحكام لا تسع مثل هذه الحالة، لأن بطلان الأحكام مقررة على سبيل الحصر ولا يتبقى في رفع هكذا حالات إلا دعاوى انعدام الأحكام والتي يقررها الفقه وبعض أحكام القضاء الصادرة من محكمة التمييز لكنها غير منظمة وفق التشريع المقرر لها، وهو ما يجعل من أمر استحقاقها أمرا غير محقق إلا بنسب متواضعة تتطلب من القضاء تقبل فكرة انعدام الأحكام القضائية والتي بات أمر تنظيمها هاما في ظل التعدي على حجية الأحكام القضائية والنيل منها باسم أحكام قضائية أخرى هي أقرب للأعمال المادية وليس الأحكام القضائية لتجردها من القواعد الإجرائية والموضوعية للأحكام القضائية.
back to top