في حكم القانون
حُكم القانون يعني المساواة التامة للمخاطبين بأحكامه، لا مكان للتفرقة بين المواطنين على أساس العرق أو الطائفة أو اعتبار آخر، حتى غير المواطنين لا يصح التمييز بينهم وبين المواطنين إلا بمقدار ما توفره الدولة من ضمانات خاصة لمواطنيها في العمل والرعاية وغيرهما من أمور.
حُكم القانون يفترض دائماً استقلالاً واضحاً بين مؤسسات الدولة الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإذا فقدت أي منها استقلالها وأصبحت تابعة للسلطة التنفيذية فلا مكان للكلام عن حكم القانون، فالسلطة يفترض أن تحد من السلطة، وتقف دون تجاوز أي من السلطات الثلاث لحدودها، فحكم القانون لا معني له إذا كان يحقق قول المتنبي «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم».
سيادة حكم القانون تعني توفير الاطمئنان للناس، فالمواطن الذي يفترض علمه بالخطاب القانوني ينام هادئاً مطمئناً في بيته، لا يخشى أن يحدث أمر ما غير متوقع يقلب عليه الدنيا وما فيها، هو يدرك مسبقاً طبيعة رد الفعل لأي أمر قد يقوم به أو يمتنع عنه، صفة «التنبؤية» للقانون مسألة أساسية عند الفقهاء في الدول المتقدمة، فلا مفاجآت في دولة القانون تقلب وضع البشر المخاطبين بالنص القانوني رأساً على عقب.
كافكا في قصة «المحاكمة» قدم لنا النموذج الفذ للعشوائية في عالم اللا قانون، فجوزيف كي هو ذاك الموظف المصرفي الذي لا شأن له بضجيج العالم، يستيقظ ذات اليوم ليجد نفسه معتقلاً متهماً بقضية لا يعرف مضمونها، يسعى في دهاليز الإدارة البيروقراطية القاتلة ليعرف التهمة التي يُحاكَم عليها دون جدوى، وتنتهي حياته بحكم الإعدام... لم يمت جوزيف كي عند تنفيذ الحكم، مات قبل ذلك عندما تم توجيه اتهام مفاجئ. لم يكن بإمكانه التنبؤ بوضعه كبشر وإدراك ما له وما عليه في ذلك العالم المرعب.