ألطاف الصباح: الحداثة لا تتعارض مع التراث بل تعمل وتتكامل مع قيمه ومعانيه وتمنح الإنسان توازناً في زمن متسارع
• ضمن حلقة حوارية من برنامج الجوهر للتدريب الإعلامي الذي تنظمه «لابا لوياك»
أكدت الشيخة ألطاف سالم العلي، المؤسسة والرئيسة الفخرية لجمعية بيت السدو، صاحبة الجهود الرائدة في الحفاظ على حرفة السدو والنسيج، أن الحفاظ على التراث الثقافي وبالأخص الحرف والفنون التقليدية مشروع ثقافي وطني يساهم في التكيف الصحيح مع المتغيرات المعاصرة السريعة ويعزز الهوية الثقافية، مبينة أن القيادة الحقيقية في أي مبادرة أو عمل تقوم على التواصل والإلهام بقيم ومعاني الاجتهاد والإنجاز في العمل، وأضافت أنها ترى عملها الأكاديمي والثقافي مرتبطا كثيرا بتلك القيم والمعاني.
جاء ذلك في إطار حلقة حوار برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي، الذي تنظمه أكاديمية «لابا» للفنون التابعة لمؤسسة لوياك، حيث قدمت الشيخة ألطاف شهادة شخصية ومهنية تناولت مسيرتها الطويلة كأكاديمية متخصصة في علم الأنثروبولوجي، ثم كمتطوعة في مجال الحفاظ على التراث، ومؤسسة لجمعية «بيت السدو»، مع مجموعة أخرى من المبادرين من أبناء الوطن، ساهمت في نقل هذه الحرفة اليدوية إلى مجالات جديدة منحتها الاستدامة والحياة.
أهمية حفظ وفهم التراث أساس للتنمية الثقافية الشاملة
وشارك في الحوار مجموعة من المتدربين من الكويت ولبنان، بإدارة الإعلامية اللبنانية رانيا برغوت، التي قدمت لهم ورشة تدريب إعلامي على مهارات إعداد وإقامة حلقة حوارية ناجحة. والمشاركون هم: دلال السمحان، مريم الهندي، خالد فيصل، جاد فقيه، سلمان سالم، أسماء عيسى، علي سيف الدين.
نساء ملهمات
في بداية اللقاء، وإجابة على سؤال المشاركة دلال السمحان حول دور النساء اللاتي قدمن لها الدعم في طفولتها وصباها، قالت الشيخة ألطاف: «أحمد الله الذي أكرمني بنساء لعبن دورا كبيرا في حياتي خصوصا جدتي، أمي لولوة، وعمتي شيخة، رحمة الله عليهما، فقد كانتا من النساء المستنيرات. وهذه كانت سمة جلية في الكويت خلال فترة الخمسينيات والستينيات، حيث كان المجتمع يتسم بالحيوية والانفتاح، فقد احتضن عددا كبيرا من الجاليات العربية والمتخصصين مما ساهم في زيادة الحيوية بالمجتمع، والانفتاح على الآخر».
جدتي «أمي لولوة» أدت دوراً عظيماً في حياتي بإرسالي للتعلم في بيروت
وأضافت:«لعبت أمي لولوة دورا مهما في حياتي، لأنها أقنعت والدي بضرورة سفري إلى لبنان للدراسة في مدرسة داخلية مع ابنة عمي، وبالفعل سافرنا إلى بيروت، ودرست هناك طوال فترة الابتدائية وحتى الثانوية، وبعدها أكملت في الجامعة الأمريكية في بيروت، وتخرجت فيها بدرجة ماجستير في سنة 1975».
وحول خبرتها في تجربة السفر المبكر للتعليم قالت:«في البداية كنا نشعر بالغربة، لكن سرعان ما اندمجنا بالمدرسة التي كانت تضم بنات من جاليات مختلفة من الخليج وخارج لبنان، بالإضافة إلى الكثير من اللبنانيات من مناطق خارجية، من صيدا وطرابلس وصور، وهذا سهل اندماجنا معاً».
وأردفت:«كان لعمتي شيخة دور في التوجيه الأخلاقي، فقد كانت امرأة تجسد القيم والأخلاق، وتهتم بالسلوكيات والتصرفات، وكل هذا كان مغلفا بالحب»، لافتة إلى أن المجتمع الكويتي كان منفتحا منذ الأربعينيات بفضل استنارة رجاله وسفرهم للخارج منذ زمن، وهو ما أتاح وأسهم في تمكين المرأة.
وفي ردها على سؤال المشاركة مريم الهندي حول دراستها الجامعية، أوضحت الشيخة ألطاف سالم العلي أنها تخصصت في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا)، ثم واصلت دراستها للماجستير في علم الإنسان الاجتماعي، وهو ما مكنها من فهم أعمق لثقافة المجتمع وتكوينه وعلاقته بالتراث.
الحرف اليدوية بالإضافة إلى جدواها الفنية والثقافية لها جدوى صحية ونفسية تعزز الشعور بالسكينة والإنجاز
وأشارت إلى أنها لم تتدخل في تحديد مسارات أبنائها الدراسية، تاركة هذا الدور لزوجها الشيخ دعيج جابر العلي الذي كان يرى أهمية اختيار تخصصات عملية تضمن مستقبلاً مهنياً، مؤكدة إيمانها بأن«العلم سلاح»، كما كشفت أن حبها المبكر للنسيج يعود إلى ذكريات الطفولة والسفر مع جدتها، وكذلك أفادت دراستها الأكاديمية في تناولها لحرفة السدو والتراث الحرفي بوعي منهجي جمع بين الشغف والمعرفة، فتحولت الحرفة على يديها من تراث مهدد بالاندثار إلى فن حي يعبر عن هوية ثقافية متجددة.
الرحمة والمحبة جوهر القيادة
وفي إجابتها على أسئلة المشارك خالد فيصل، أوضحت الشيخة ألطاف أن فن القيادة يقوم على الإلهام المستمد من الإيمان بالقيم والمعاني والاجتهاد في العمل، مؤكدة أنها ترى حياتها الأكاديمية والاجتماعية كسلسلة من القصص التي تحمل دروسا ومعاني.
وسائل التواصل لعبت دوراً في تقارب الشعوب إنسانياً مع مأساة غزة الأخيرة
وأكدت أن«الحداثة لا تتعارض مع التراث، بل تحتاج إلى جذور من القيم المتأصلة في مجتمعاتنا، مثل الحمية، الإيثار، التراحم، احترام الآخر، وتمنح الإنسان توازنا في زمن تتسارع به الإيقاعات وتتشوه فيه المفاهيم عبر المتغيرات السريعة»، متابعة:«أؤمن بأن الكويت بنيت على قيم إنسانية عميقة، وهذا ما منحها قدرة على التأقلم والتطور الاجتماعي والإنساني السريع الذي جذب اهتمام الآخرين».
العقبات والتحديات سبيل للنجاح
وفي إجابتها على أسئلة المشارك جاد فقيه من بيروت، أوضحت الشيخة ألطاف أن«العقبات جزء طبيعي من أي عمل، وتجسد ذلك في مشروع السدو الذي واجه بعد الغزو وحرب الخليج بعض التحديات والصعوبات بسبب ظروف العمل وتأثر المجتمع كله بأزمة الغزو، والحمد لله إيماني بأهمية مشروع السدو وأهدافه الثقافية دفعني بمسؤولية علمية ووطنية إلى التواصل مع خبراء دوليين في مجال الحرف التقليدية والتراث، من بينهم المتخصصة الهندية جازلين داميجا، التي قدمت لنا تجربة عملها لسنوات في حفظ وتعزيز الحرف».
القيادة الحقيقية تقوم على الإلهام المستمد من الإيمان بالقيم
وتابعت:«بعد ذلك قمنا بدراسة جدوى أكاديمية حول الحرف في الكويت بالتعاون مع الدكتور محمد الحداد من جامعة الكويت. ليتم بعد ذلك إنشاء إطار تعاوني مستدام للحرفة وفق استشارة علمية، وهذا الاتجاه حافظ على أهداف المشروع الأول، وأسهم في تأسيس جمعية السدو الحرفية لتكون تنظيما جديدا الحمد لله اخذ حرفة السدو والتراث الحرفي الكويتي إلى آفاق جديدة».
وأكدت أن التوازن بين العمل التطوعي والمهام الشخصية ممكن في مجتمع منفتح مثل الكويت، حيث قوانين العمل منصفة للرجل والمرأة، والشباب الآن يهتم بفهم التراث الحرفي اليدوي لأهميته الثقافية والفنية التي تمنح التركيز والرضا في زمن التوتر الاجتماعي.
منذ الأربعينيات وقبلها أثبت الرجل الكويتي استنارته الفكرية وثقته في المرأة
وفي إجابتها على أسئلة المشارك سلمان سالم، أفادت الشيخة ألطاف بأن مشروع السدو بدأ كمبادرة أهلية خاصة من قبل 20 شخصية من أبناء الكويت. وبالنسبة لها كان لشغفها واجتهادها ودراستها الأكاديمية دور هام أعطاه زخماً بعد التعثر، وضمن إطار حرفي تعاوني جديد استطاعت حرفة السدو ان تصل إلى مستويات عالمية.
السدو من حرفة إلى فن
واستدركت الشيخة ألطاف:«نمو الحرف والفنون بالمجمل يعتمد على ركيزتين: القدرة على المحافظة والقدرة على التجديد والابتكار، وبهذا الخصوص رأيت أهمية تطوير حرفة السدو ضمن مفاهيم فنية جديدة، وبالفعل تم التعاون مع الفنان الرائد سامي محمد، الذي قدم صيغا فنية متعددة للمثلث المعروف في حرفة السدو وبأشكال فنية، وأتاح دمج الابتكار مع الحفاظ على الأسلوب التقليدي، وهذا التعاون بدأ أول مرة عام 1989، بعد ذلك ومن خلال الإطار التنظيمي الجديد بدأ العمل مرة أخرى في 2015 على تطوير هذا البرنامج الفني (سدي)، ومعه برامج التعليم ونقل المهارة ضمن مناهج التربية الفنية، مما منح الحرفة حياة جديدة واعترافاً دولياً، وأسهم في تسجيلها ضمن ملفات اليونسكو ودخل معنا أيضاً ملف دولة السعودية كملف مشترك«.
وأكدت أن المشاريع الثقافية تحتاج إلى شغف وتخطيط ودراسة علمية، وأن الحفاظ على التراث والنسيج التقليدي يمر بدورة حياة جديدة عبر إشراك الجيل الجديد، كما فعلت مع أحفادها، وذلك لنقل خبرة حب التراث والمعرفة لهذا الجيل.
الشغف عاطفة وفكر واجتهاد والنسيج حكاية تأقلم الإنسان مع محيطه والبيئة
وتابعت:«من الشخصيات الملهمة داخل جمعية السدو أم ناصر العازمي، الله يرحمها، حيث كانت نموذجاً لإبداع النساء وتمكينهن في الحرف اليدوية على المستويين المحلي والدولي وكانت بين من حصلن على جوائز دولية في الحرف التقليدية»، وأضافت أنها كانت تشعر بأن القطع التي تقوم بعملها أي ناسجة متمكنة بمنزلة قصيدة شعرية تنطق بقيم ومعان ثقافية ووجدانية.
وفي إجابتها على أسئلة المشاركة أسماء عيسى قالت إنها فخورة بما وصلت اليه جمعية السدو وقيادتها الشابة الجديدة من مشاريع مبتكرة، مثل مشروع «صوف» الذي يعد مشروعا رائدا لرئيسة جمعية السدو الآن الابنة بيبي دعيج الجابر، وأضافت أن حرفة السدو أضيفت إلى مناهج التعليم منذ 2017 مع خطط لتوسيع المراكز في مناطق الكويت المختلفة.
وأشارت إلى أنه بالرغم من الانفتاح على التقنيات الحديثة والذكاء الصناعي، لا بد من العمل على حماية العمل اليدوي وحدوده، مؤكدة أنها ما زالت تسعى حتى اليوم لتطوير نفسها شخصيا بالتعلم والاكتساب، وأنها الآن تأمل أن تكون مصدر إلهام لأحفادها.
وفي إجابتها على المشارك الأخير علي سيف الدين من بيروت، الذي سألها عما يجعلها تبتسم، قالت الشيخة ألطاف: «الحمد لله، الرضا والتأمل الذاتي هما أساس ابتسامتي اليوم»، ولفتت إلى أن التواصل الإنساني ينبع من الإدراك الإنساني المشترك بين الشعوب، مع احترام الخصوصيات المحلية.
وطلبت الشيخة ألطاف من ابنتها الشيخة بيبي أن تروي للحضور قصة إحدى الحالات التي ترددت على بيت السدو، وكانت تعاني من تصلب العضلات المرضي، وبعد أن تلقت عدة دورات متكررة في الحياكة تحسنت حالتها العضلية، ما يعكس التأثير العلاجي للحرف اليدوية.
نجحنا في توثيق حرفة السدو باليونسكو استناداً إلى جهد عملي وعلمي ومسؤولية وطنية
واختتمت الشيخة ألطاف حديثها بالتأكيد على أن الحرف والفنون لغة وجسر ثقافي، والإنسانية المشتركة هي العامل الأهم الذي يجمع ويعزز التعاطف بينهم، ولو كانت أكثر حضورا في سلوكيات البشر لما شهد العالم ما يشهده من فظاعات.
يذكر أن «الجوهر» للتدريب الإعلامي هو البرنامج الأول من نوعه في المنطقة، وقد أطلقته أكاديمية لابا لوياك عام 2020، بهدف تمكين الشباب العربي من أسس إعداد وتقديم حلقات حوارية ناجحة، وتدريبه على أبجديات الإعلام على يد نخبة من الإعلاميين العرب المحترفين، وتتوج الورش التدريبية بمحاورة ضيوف رياديين تركوا بصمة واضحة في شتى المجالات بالوطن العربي، حيث بلغ عدد ورش «الجوهر» التدريبية حتى اليوم 63 ورشة، وزاد عدد مستفيديه على 557 مستفيداً، وينفذ البرنامج برعاية شركة المركز المالي الكويتي (المركز)، وجريدة الجريدة، وشركة الصناعات الهندسية الثقيلة وبناء السفن (هيسكو)، وفندق فوربوينتس شيراتون.