النظام العالمي الجديد لترامب

نشر في 05-11-2025
آخر تحديث 04-11-2025 | 18:47
 وول ستريت جورنال

في مقابلة مع قناة CBS، سألت الصحافية نورا أودونيل، الرئيس دونالد ترامب عمَّا إذا كانت أيام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو باتت معدودة، فأجاب بثقة: «أعتقد ذلك». وعندما سألته عن صحة التقارير حول ضربات عسكرية محتملة في فنزويلا، رفض الإجابة، قائلاً بابتسامة: «لن أقول لك ما سأفعله أو لا أفعله».

لكن التحرُّكات على الأرض كانت أكثر وضوحاً. فمجموعة حاملة طائرات أميركية انضمَّت إلى ثماني سفن حربية في المنطقة، وسرب من مقاتلات F-35 تمركز في بورتو ريكو، ووحدات من القوات الخاصة الأميركية انتشرت في محيط فنزويلا. الرسالة واضحة: الولايات المتحدة تمهد لتغيير النظام في كاراكاس، وإن لم تُعلَن تفاصيل الخطة بعد.

في أوقات أخرى، كان تصعيد كهذا ليهيمن على نشرات الأخبار، لكنه اليوم بالكاد يلفت الانتباه في عالم ترامب المشبع بالأزمات. فقد تزامن مع انتهاء جولة آسيوية سريعة للرئيس شملت قمة مع شي جينبينغ في كوريا الجنوبية، ومع جدل داخلي في واشنطن حول «شرعية» ضربات ضد مهربي مخدرات، واستعداد المحكمة العليا للنظر في قضية التعرفات الجمركية التي فرضها ترامب وأربكت التجارة العالمية.

في الخارج، روسيا تواصل تقدمها في أوكرانيا، والسودان يغرق في الفوضى، والهدنة في غزة تترنح، فيما يهدد ترامب على «تروث سوشال» بمهاجمة نيجيريا إذا لم تحمِ المسيحيين هناك.

هكذا، يعيش ترامب ولايته الثانية في دوامة من الأزمات المتداخلة. إنه رئيس لا يكتفي بالمشي والمضغ في الوقت نفسه، بل «يرقص على حبل مشدود وهو يدير المناشير». هذه الطاقة الهائلة تُبقيه في مركز المشهد العالمي، تربك خصومه، وتغطي الإخفاقات بسيلٍ متواصل من الأحداث، وتمنحه فرصاً متكررة لتلميع صورته كقائد جريء لا يهاب المواجهة.

ومع أن هذا المشهد يبدو فوضوياً، إلا أن وراءه منطقاً سياسياً واضحاً. فترامب يرى أن الولايات المتحدة تعاني إرث عقود من السياسات «الحمقاء» من الحزبين بعد الحرب الباردة: العولمة التي أضعفت الطبقة الوسطى والصناعة الدفاعية، وصعود الصين على حساب أميركا، وفشل النُّخب الليبرالية في إدارة الحروب، أو تحقيق السلام، أو حماية المصالح القومية.

هذه القناعة تدفعه إلى مهمة مزدوجة: استعادة الثقة الداخلية بين الشعب والدولة، وإعادة تشكيل النظام العالمي بما يخدم مصالح أميركا الجديدة. لكنه يُدرك أن طريقه محفوف بالتحديات، إذ يجب عليه تعبئة قاعدته الشعبوية من دون أن يصطدم بقناعاتها. وهنا تظهر فنزويلا كاختبار مثالي.

بالنسبة لترامب وأنصاره، تمثل فنزويلا مصدراً للمخدرات والهجرة غير الشرعية، وتهديداً مباشراً للداخل الأميركي. لذلك، أي تحرُّك ضدها يبدو مبرراً، ويكسب دعم القاعدة. لكن القضية أكبر من ذلك: ففنزويلا اليوم ساحة تنافس جيوسياسي بين واشنطن وكل من روسيا والصين وإيران، وهي بالنسبة لهؤلاء قاعدة محتملة لتقويض النفوذ الأميركي في نصف الكرة الغربي.

إضافة إلى ذلك، تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي في العالم، يفوق السعودية، وإذا تمكَّن ترامب من إبعادها عن محور موسكو–بكين–طهران، فسيُعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية، ويُضعف قدرة خصومه على استخدام النفط كسلاح سياسي.

من هنا، فإن وصف ترامب ب «الانعزالي» يُعد خطأً فادحاً. فهو لا يسعى إلى الانسحاب من العالم، بل إلى «إعادة بنائه وفق رؤيته الخاصة». رؤيته ليست انسحاباً من القيادة، بل تمثل تحوُّلاً في شكلها: أميركا لا ك «شرطي عالمي»، بل ك «مهندس للنظام العالمي الجديد»، يعتمد على القوة والصفقات بدل التحالفات والمؤسسات التقليدية.

ترامب يرى أن العالم القديم انهار، وأن لحظة الفوضى هذه تمنح أميركا فرصة لصياغة نظام جديد تقوده الإرادة لا البيروقراطية. لذلك، فإن كل تحركاته- من فنزويلا إلى آسيا، ومن نيجيريا إلى أوكرانيا- تنبع من عقيدة واحدة: أن «الولايات المتحدة يجب أن تبقى القوة المهيمنة»، وأن العالم لا يُدار إلا بالقوة الأميركية.

إنه لا ينعزل عن العالم، بل يسعى إلى «إعادة صناعته على طريقته».

ذلك هو «النظام العالمي الجديد لترامب»- نظام القوة والمساومة، لا الأيديولوجيا أو القواعد القديمة.

ولتر راسل ميد

back to top