وجهة نظر: برنامج الأعمال الحرة
تعاني الكويت منذ فترة من أزمة اقتصادية اجتماعية خطيرة. تحدّث وكتب عنها معظم المهتمين بالشأن الاقتصادي وكتّاب الزوايا في الصحف المحلية دون مبادرة لعلاجها، ربما للقناعة بأن احتياطي الأجيال القادمة كفيل بعلاج الأزمات عند اللزوم. علما أن الفوائض المالية وما نتج عنها من فساد ومبالغة في التعيين الحكومي، والرعاية، والدعوم، ساهمت في خلق الأزمة وإخفائها بين بيانات مضللة تجعل من الصعب معرفة الكلفة الحقيقية لأي منتج حكومي، من رغيف الخبز إلى برميل النفط. هذه الحالة مع المبالغة بالتعيين جعلت صاحب الضمير الحي الذي يحب العمل يخفض جهوده كي لا يصبح مكروها بين زملائه.
لن ينفع لهذا النوع من الأزمات تحديث برامج التعليم ولا استعارة برامج إصلاح نجحت في دول أخرى. لأن المشكلة هي في طبيعة «أهل البلد»، الذين أدمنوا العمل في وظيفة لن تفتقدهم إن غابوا، وتخرجوا في مدارس تمنحهم الشهادة المطلوبة للتوظيف دون أن تعلمهم. لذلك نجدهم يدعون إلى تكويت المراكز القيادية دون اعتبار للخبرة والكفاءة، وإلى استمرار التعيين في أجهزة الدولة حتى بعد أن تجاوزت البطالة المقنعة 50% من الجهاز الحكومي، لعرقلة خطط الإصلاح وتدمير مخرجات التعليم.
قد تفاجئنا أسعار النفط بالانهيار في وقت ما، وعلينا الاستعداد بتهيئة المواطنين والمقيمين للتعامل معها. إننا بحاجة إلى قرارات غير شعبوية تفصل بين الموظف الذي تحتاجه الدولة وبين البطالة المقنعة، لإصلاح الطرفين بتشجيع الموظف ودعمه ومحاسبته إن أهمل، وعلاج حالة البطالة المقنعة لإعادة تأهيلها بتحريرها من كادر الوظيفة الحكومية وتحويلها إلى البرنامج المقترح تحت رعاية احتياطي الأجيال القادمة.
إن برنامج الأعمال الحرة فكرة من خارج الصندوق تضمن استمرار رواتب من يتم تحويلهم للبرنامج لفترة من الزمن لتجنب أي تأثير سلبي على حياتهم ومستواهم المعيشي، وتمنح الفرصة والحافز للبطالة المقنعة لتصبح قوى عاملة مؤهلة ومنتجة خارج الجهاز الحكومي، لدعم التكويت وتصحيح التركيبة السكانية وتقليص العمالة الهامشية والمنزلية وغيرها من إيجابيات تأهيل أهل البلد. إليكم الفكرة العامة باختصار لفتح باب النقاش.
برنامج الأعمال الحرة (يتبع لاحتياطي الأجيال القادمة):
• مميزات الانتقال من الوظيفة الحكومية إلى كادر البرنامج: إعفاء من الدوام مع استمرار الراتب، وإعادة التأهيل لمن يرغب.
• يبدأ الانتقال أولا باستقبال المتطوعين لترك وظائفهم الحكومية، والراغبين في التقاعد المبكر. يتبعهم بعد فترة محددة تحويل تدريجي لمن يتم اختيارهم من قبل جهة مسؤولة باعتبارهم بطالة مقنعة.
• يسمح لأعضاء البرنامج الحصول على وظيفة في القطاع الخاص أو البدء بمشروع حر.
• تتوقف الدولة عن التعيينات الجديدة ماعدا ما يعادل 10% من إجمالي ما يتم تحويلهم للبرنامج.
• بإمكان البرنامج التوسع في الخدمات لتشمل إدارة الدعوم، والتموين، وغيرهما.
• إلغاء رواتب طلبة الجامعة مع السماح لهم بالعمل لدى القطاع الخاص في أوقات الفراغ لدعم الخبرة والتجربة العملية بالإضافة إلى المرتب.
• إلغاء نظام دعم العمالة الذي أثبت فشله في جذب المواطنين للعمل لدى القطاع الخاص.
• إلغاء برنامج التموين لكل مواطن واستبداله بطوابع يصرفها البرنامج للفئة المحتاجة التي يمكن تحديدها فيما بعد، لتتمكن من شراء احتياجاتها من الجمعيات.
• السماح للوافدين بالعمل في أكثر من وظيفة بعد موافقة الكفيل الأصلي.
• رفع رسوم جلب العمالة الهامشية والمنزلية لتخفيض عددهم وتحسين قدراتهم.
الخلاصة:
نحن صنعنا الفيل الأبيض الذي تسبب في فشل 15 حكومة سابقة وربما 15 قادمة، وفشل كل مبادرات وخطط الإصلاح الماضية والقادمة والكثير من القوانين والقرارات. يمكننا التغلب عليه من خلال برنامج الأعمال الحرة واحتياطي الأجيال القادمة، الذي لن ينفع الأجيال مهما بلغ حجمه إن كانت عاجزة عن الاستفادة منه لتأهيلها وتنمية قدراتها.