صنيعة استعمار أم رائعة دمشق؟!
في الأسبوع الماضي كان منتدى مؤتمر مستقبل الاستثمار برعاية المملكة العربية السعودية بمشاركة عشرين رئيس دولة واتفاقيات ب 60 مليار دولار، وكان أكثرهم لفتاً للأنظار القادم الجديد وهو يحمل في جعبته الكثير من التحديات والفرص، فخامة الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي لم يتحدث عن الاقتصاد السوري وتحدياته فحسب، بل تناول أدقّ تفاصيله وشرح تطلعاته لإنشاء اقتصاد قوي يقوم على إعادة الإعمار من خلال الاستثمار، لا عن طريق المساعدات.
الشرع أكد تحويل كل نكبة حصلت إلى فرصة استثمارية لتكون سورية جاذبة لرؤوس الأموال، مع تشريعات تصبّ في مصلحة المستثمر، وأهمها ما شد انتباهنا وقلّما تجده في دول العالم الثالث، وهي أحقيته في إخراج أرباحه وجزء كبير من رأسماله للخارج، وهو ما أدى إلى إدخال سورية عشرات المليارات من الدولارات خلال الشهور الستة الأولى. فسورية بلد سياحي وزراعي يستطيع إطعام مئات الملايين، وفيه من إنتاج النفط والغاز ما يمكن تصديره للخارج، وهي بوابة الشرق وتمتلك موقعاً استراتيجياً ولوجستياً يساعد على الربط التجاري مع دول العالم.
وفي لقطة مؤثرة خلال لقاء الرئيس السوري على مسرح منتدى الاستثمار، بحضور صاحب السمو الملكي ولي العهد السعودي، عندما سئل عن أي فرس يراهن أكثر من بين المقومات الاقتصادية المتوافرة في سورية؟ فأجاب: «على شعبي»، فلم نملك إلّا أن صفقنا له ونحن نتابع لقاءه على بُعد آلاف الأميال حين امتزجت إجابته بالوطنية والدبلوماسية معاً، ولو أننا تمنينا أنه أجاب بعبارة «الشعب السوري»، بدلاً من «شعبي»، فالنظام الجمهوري الديموقراطي ليس شعبك فخامة الرئيس، لأنك جزء منه!
لقد كان الشرع واثقاً هادئاً متناغماً بصوته الهادئ ومعلوماته الدقيقة وعلى مستوى عالٍ من المهنية، وهو ما شعرنا به وأكده لنا عزيزنا بوحمد، أحد مديري الأموال الحاضرين في قاعة المتندى نفسها، لنصل إلى خلاصة أن الرئيس يعمل ضمن فريق من الخبراء عالي الجودة.
ولكوننا لا نملك مزيداً من المعلومات لنتوغل في الأداء السياسي للشرع، لحداثة عهده، إلا أننا وجدناه يتّسم بالمصداقية منذ أول خطاب رسمي ألقاه للنصر نهاية يناير الماضي، بالمقارنة مع خطابات النصر لبعض من كانوا رؤساء عرب في يوم من الأيام، حين ألقوها فور خروجهم من هزائم أدت إلى مصرعهم، مثل صدام والقذافي في خطابه «زنقة زنقة»، وعلي صالح باليمن، أو أدت إلى سجنهم كعمر البشير بالسودان، أو هروبهم كبشّار!
وطبعاً ولكوننا عرباً، لا بد أن نغور بتحليل سياسي تقليدي كالذي نسمعه من الجالسين على طاولات مقاهٍ عتيقة تطل على زاوية شوارع مليئة بالحفر يعلو صراخهم وهم يختلفون حتى على حروف الجر، يلعبون طاولة زهر، صلعة بعضهم تصل إلى رقبته، لا تسقط السجائر والشيشة من على شفاههم، ولا يكادون يفيقون من نبيذ البارحة، حمّالة بناطيلهم وملابسهم مهترئة، ويتساءلون: كيف لنظام أن يحارب لثلاثة عشر عاماً بدعم خارجي ثم يسقط في أحد عشر يوماً؟! كيف تتحرر دمشق من دون رصاصة واحدة؟! وكيف اختير الشرع فجأة ويتحول من قوائم الإرهاب إلى رئيس دولة؟! ويجلس في قمة كونكورديا مع رئيس المخابرات الأميركية، الجنرال بيتيووس، الذي كان يلاحقه في السابق، ليناديه اليوم ب «سيادة الرئيس»؟!
طبعاً عرب الشيشة وطاولة الزهر السكارى سيقولون إنه صنيعة استعمار، بينما نقول عنه نحن - بعد غضّ الطرف لاستبعاد فكرة المؤامرة، لأننا سئمنا ونودّ التفاؤل، ولكل حادث حديث - إن الرئيس السوري الآن هو رائعة دمشق!
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.