32 فناناً يُعيدون اكتشاف الريف المصري
• عبدالعزيز الجندي: راغب عياد منح الريف لغته البصرية الخاصة بموسيقاه اللونية
بين مساحات اللون ووهج الريف المصري، يمتد معرض «حقول عياد»، المُقام حالياً في القاهرة، كمقطوعة بصرية تعزفها ريشات 32 فناناً من جماعة «اللقطة الواحدة»، التي تواصل منذ سنوات مشروعها في استلهام تراث الفن المصري بروح معاصرة.
وفي قاعة صلاح طاهر بدار الأوبرا المصرية، تحوَّلت لوحة الفنان الراحل راغب عياد الشهيرة (العمل في الحقل) إلى بذرة لحكايات لونية جديدة، خرجت من رحم الذاكرة الجماعية لتُعيد اكتشاف روح مصر في ثوب حديث.
في معرض «حقول عياد» لم يكن الفنانون مجرَّد مقلدين لمنجز فنان كبير، بل كانوا باحثين عن جوهر التجربة، فكما اعتادوا في ورشهم السابقة بمتحف الفن المصري الحديث داخل دار الأوبرا بالقاهرة– حيث استلهموا من أعمال تحية حليم وجاذبية سري– أعادوا هذه المرة قراءة لوحة راغب عياد (1892-1982) بعينٍ معاصرة. تلك اللوحة التي شكَّلت لسنوات طويلة أيقونة للريف المصري وروح العمل الجماعي في الأرض، تحوَّلت في المعرض الجديد إلى بذرة جديدة للإبداع الفني، حيث خرجت منها «حقول» من التأويلات والخيالات والرؤى الشخصية لكل فنان شارك في المعرض.
البحث عن الجذور
يقول أستاذ الغرافيك بكلية الفنون الجميلة ومؤسس جماعة «اللقطة الواحدة»، الفنان عبدالعزيز الجندي، إن اختيار راغب عياد لم يكن محض مصادفة، بل جاء امتداداً طبيعياً لرحلة البحث عن الجذور المصرية في الفن الحديث، موضحاً: «منذ مطلع القرن العشرين سعت مصر إلى التأكيد على أن حداثتها الفنية ليست اقتباساً من الغرب، بل نابعة من عُمق هويتها الحضارية الممتدة لآلاف السنين».
موسيقى لونية
ويتابع: «كما جمع محمود مختار بين مصر القديمة والفن الأوروبي الحديث، وكما صاغ محمود سعيد بصمته المتفردة من الروح الشعبية في مدينة الإسكندرية، جاء راغب عياد ليمنح الريف المصري لغته البصرية الخاصة، بخطوطه الحُرة، وموسيقاه اللونية المفعمة بالصدق والعاطفة».
رؤى مختلفة
الأمر اللافت في التجربة التي ينسجها هذا المعرض، أن اللوحة الأصلية لعياد (العمل في الحقل) كانت بمنزلة منبع مشترك انطلقت منه الرؤى المختلفة، إذ إن كل فنان اقترب منها بطريقته، فبعضهم قرأها من منظور بنائي صارم، وآخرون من زاوية حسيّة أو رمزية، فيما تعامل فريق ثالث مع المساحات والظلال بوصفها مناطق للتأمل الداخلي، وكانت النتيجة النهائية بانوراما فنية رحبة، تُظهر كيف يمكن للوحة واحدة أن تولّد عشرات الحيوات البصرية الجديدة من دون أن تفقد أصلها.
يخرج الزائر من «حقول عياد» وهو يشعر أنه لم يشاهد معرضاً واحداً، لكنه حوار جماعي بين أجيال وأساليب، يتقاطع فيه الواقعي بالتجريدي والرمزي بالتعبيري والتاريخي بالإنساني، حيث إن عياد في هذا المعرض ليس موضوعاً بقدر ما هو روح، تتناقلها الأيدي، وتُعيد تجسيدها بريشات مختلفة.
إعادة قراءة الكلاسيكيات
ومن خلال هذا المعرض، تُواصِل جماعة «اللقطة الواحدة»، التي تأسست قبل أكثر من عقدين، مشروعها الفريد، وهو إعادة قراءة الكلاسيكيات المصرية بروح معاصرة من دون أن تفقد جذورها. وإذا كانت أعمالهم السابقة قد كشفت عن عشقهم للمرأة المصرية في لوحات تحية حليم، أو انبهارهم بالتكوين في أعمال جاذبية سري، فإنهم هذه المرة عادوا إلى الأرض ذاتها التي انطلق منها عياد، ليزرعوا فيها حقولهم الخاصة من الضوء واللون.