وجهة نظر: أهمية إعادة تقييم نظام تأمين الودائع في الكويت
بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، قرر بنك الكويت المركزي تأمين جميع الودائع المصرفية بشكل كامل، في خطوة حاسمة عززت الثقة بالنظام المصرفي، ومنعت موجات السحب الجماعي التي كانت تهدد الاستقرار المالي آنذاك. غير أن مرور أكثر من عقد ونصف، وتغير البيئة الاقتصادية محليا وعالميا، يجعلان من الضروري اليوم إعادة تقييم هذا النظام للتأكد من توافقه مع المتغيرات الحديثة وأفضل الممارسات العالمية.
ويهدف نظام تأمين الودائع إلى حماية أموال المودعين في حال تعثر أحد البنوك، من خلال تعويضهم حتى سقف محدد، بما يطمئن الجمهور إلى سلامة الجهاز المصرفي. إلا أن التأمين الكامل، رغم فوائده الواضحة، قد يخلق ما يُعرف ب«المخاطر الأخلاقية»، إذ تميل بعض البنوك إلى أخذ مخاطر إضافية وهي مطمئنة إلى أن الودائع مضمونة بالكامل، مما يضعف الالتزام في إدارة المخاطر.
تُظهر التجارب الدولية أن أنظمة التأمين الجزئي تحقق توازنا أفضل بين حماية المودعين وضبط سلوك البنوك، فبحسب أبحاث البنك الدولي، الدول التي تطبق تأمينا منظّما وشفافا تقل فيها احتمالات الأزمات المصرفية وتزداد فيها ثقة العملاء، من دون أن تشجع على التوسع غير المحسوب في الإقراض، وقد أثبتت تجربة الكويت نفسها أن قرار التأمين الكامل عام 2008 كان ضروريا في حينه، لكنه قد يحتاج اليوم إلى مراجعة دقيقة تضمن استمرار الاستقرار المالي من دون خلق حوافز سلبية.
لا شك في أن تأمين الودائع لعب دورا مهما في تعزيز الثقة بالبنوك ومنع انهيارات محتملة خلال الأزمات، كما ساهم في ترسيخ الاستقرار المالي وتعزيز سمعة الكويت كمركز مصرفي آمن في المنطقة.
لكن الإبقاء على التأمين الكامل من دون حدود واضحة قد يحمّل الدولة أعباء مالية مرتفعة في حال الأزمات الكبرى، ويضعف من جهة أخرى الحافز لدى البنوك للتحوط، لتمتعها بالحماية الكاملة، مما يدفعها إلى اتخاذ قرارات مالية محفوفة بالمخاطر.
من هنا، تبدو المراجعة الدورية لقانون تأمين الودائع ضرورة اقتصادية قبل أن تكون إجراءً تنظيميا، فالتأمين الأمثل هو الذي يوازن بين طمأنة المودعين ومسؤولية البنوك، عبر تحديد حدود تأمين واقعية، وتعزيز آليات الرقابة والإفصاح، وضمان شفافية أكبر في البيانات المصرفية، هذه الخطوات لا تقلل من الحماية، بل تجعلها أكثر كفاءة واستدامة، وتضمن انسجامها مع المعايير الدولية الحديثة.
إن تجربة الكويت بعد عام 2008 كانت نموذجا في سرعة الاستجابة للأزمات، لكنها تذكرنا أيضا بأهمية التطوير المستمر للسياسات المالية. فالثقة في النظام المصرفي لا تُبنى بقرار واحد، بل تتطلب مراجعة دائمة للأنظمة بما يواكب التحولات الاقتصادية ويستند إلى دراسات عملية. إعادة تقييم نظام تأمين الودائع اليوم ليست تشكيكا في نجاح الأمس، بل استثمار في استقرار الغد.
* قسم التمويل – كلية العلوم الإدارية – جامعة الكويت