حرب عالمية ضد المخدرات... والكويت في الصفوف الأولى

نشر في 28-10-2025
آخر تحديث 27-10-2025 | 18:38
 محمد الجارالله

تُجمع التقارير الدولية على أن الاتجار بالمخدرات أصبح أكبر شبكة جريمة منظمة في العالم، تفوق في حجمها تجارة السلاح. وتعيش المجتمعات اليوم أمام تحدٍّ متفاقم عنوانه الإدمان والمخدرات، حيث تشير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات إلى أن الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة رئيسية لترويج السموم، مما يستدعي تطوير أدوات الرصد والتوعية الرقمية.

ووفق تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2024، بلغ عدد المتعاطين حول العالم نحو 300 مليون شخص، بزيادة 20 في المئة خلال العقد الأخير، فيما تتسبَّب الجرعات الزائدة في 600 ألف حالة وفاة سنوياً، وتُقدَّر الخسائر الاقتصادية بأكثر من 500 مليار دولار سنوياً.

إنها حرب لا تُخاض بالسلاح، بل بالعلم والوعي والتشريع. وفي هذا السياق، تتحرَّك الكويت بخطواتٍ محسوبة لتكون في طليعة الدول العربية التي تطوِّر منظومتها التشريعية والعلاجية لمواجهة هذه الجريمة المنظمة، عبر مشروع وطني متكامل يهدف إلى الوقاية، والعلاج، وتحديث القوانين، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي.

تدمير الجسد والعقل... رؤية طبية من «مايو كلينك»

يصف تقرير «مايو كلينك» الطبي الإدمان بأنه مرض دماغي مزمن يُغيِّر كيمياء المخ، ويقيد الإرادة، ويؤدي إلى:

• تلف الدماغ والأعصاب وفقدان السيطرة السلوكية.

• اضطرابات القلب والرئة والكبد والكلى.

• انهيار المناعة، وزيادة خطر العدوى القاتلة.

• حالات اكتئاب وانتحار وأمراض نفسية مستعصية.

• وفيات مفاجئة، نتيجة توقف التنفس أو السكتة الدماغية.

وتشير الدراسات إلى أن المدمن يفقد في المتوسط 18 سنة من عُمره الصحي مقارنة بغير المدمنين، ما يجعل الإدمان مأساة إنسانية واقتصادية متكاملة، تفرض على الدول تبنِّي سياسات علاجية ووقائية صارمة.

الكويت... نموذج وطني في مكافحة المخدرات

أثبتت التجربة الكويتية أن النجاح في مكافحة المخدرات لا يتحقق فقط بتشديد العقوبات، بل عبر تكامل الأدوار بين الجهات الأمنية والصحية والاجتماعية، وتفعيل الشراكة بين الدولة والمجتمع.

فقد تمكنت الأجهزة المختصة من إحباط عددٍ كبير من عمليات التهريب العابرة للحدود، وضبط تشكيلات إجرامية منظمة، بالتوازي مع إطلاق حملات توعية مجتمعية، وتوسيع مراكز العلاج والتأهيل.

وقد حازت الكويت جائزة المركز الأول من مقر مكافحة المخدرات في تونس، تقديراً لجهودها الإقليمية في التصدي لهذه الآفة.

خفض المخدرات بنسبة 90%... إنجاز وطني ورسالة إنسانية

أكد تقرير الأمم المتحدة أن الاتجار بالمخدرات بات شبكة جريمة مالية عابرة للقارات، تمتد من آسيا إلى أوروبا وأميركا. وقد قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب: «تجار المخدرات يقتلون أكثر مما تقتل الحروب، ويجب معاملتهم كقتلة».

من هنا، فإن نجاح الكويت في خفض انتشار المخدرات بنسبة 90 في المئة يُعد إنجازاً وطنياً، ورسالة أمل للعالم بأن الحرب على هذه السموم يمكن كسبها متى توافرت الإرادة والرؤية الواضحة.

لقد أثبتت الكويت أنها ليست على الهامش، بل في الصفوف الأمامية، تقود بالوعي والعزم، وتزرع في الأجيال الجديدة قِيم الحياة والانتماء.

القانون الجديد... درع تحمي الوطن

بعد أكثر من أربعين عاماً على آخر تعديل تشريعي، أنهت اللجنة الوطنية أعمالها لإعداد قانون مكافحة المخدرات الجديد، الذي يُعد نقلة نوعية في السياسة الجنائية الكويتية، إذ يجمع بين الصرامة في الردع والإنصاف في العلاج.

ومن أبرز ملامحه:

1. الإعدام وغرامة مليونَي دينار لمن يتاجر أو يسهِّل دخول المواد المخدرة.

2. الإعدام لأي موظفٍ عام يستغل موقعه في التهريب أو التوزيع.

3. فحوص إلزامية للمقبلين على الزواج وطالبي رخص القيادة والسلاح والمتقدمين للوظائف العامة.

4. فحوص عشوائية للعسكريين والطلبة في المدارس والجامعات.

5. إعفاء المتقدمين طوعاً للعلاج من الملاحقة الجزائية.

6. تغليظ العقوبات على الصيدليات المخالفة وغلقها حتى خمس سنوات.

7. إنشاء المجلس الأعلى لمكافحة المخدرات برئاسة رئيس مجلس الوزراء لمتابعة التنفيذ والتقييم السنوي.

المخدرات والتنمية المستدامة

تؤكد الأمم المتحدة أن مكافحة المخدرات ليست مجرَّد قضية أمنية، بل قضية تنموية ترتبط مباشرة بأهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الثالث، المعني بالصحة الجيدة والرفاه.

فانتشار الإدمان يُضعف الاقتصاد المنتج، ويزيد الفقر، ويقوِّض الاستقرار الاجتماعي.

لذلك، فإن مقاومة المخدرات في الكويت تمثل جزءاً من حماية الأمن الإنساني وتحقيق «رؤية الكويت 2035» في بناء مجتمع مستقر وصحي ومنتج.

خاتمة: الإرادة تصنع المعجزات

النجاح الذي تحقق في ملف مكافحة المخدرات ليس انتصاراً لوزارة بعينها، بل انتصارٌ لفلسفة دولة آمنت بأن الوقاية خير من القمع، وأن حماية الإنسان تبدأ من الوعي والتشريع والعلاج.

وفي هذا السياق، يُسجَّل لوزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف وفريقه الأمني دورٌ بارز في توجيه الجهود نحو منظومة متكاملة للمواجهة الوقائية والعلاجية، جمعت بين الحزم الإنساني والعقلانية الإدارية، لتُثبت أن الإرادة الصادقة قادرة على تحويل المعركة إلى ملحمة وعي وإنقاذ.

*وزير الصحة الأسبق

back to top