«أسود الأطلس» يلهمون الشباب العربي

نشر في 27-10-2025
آخر تحديث 26-10-2025 | 18:40
 د. بلال عقل الصنديد

في لحظةٍ ذات نكهة عربية استثنائية، ارتفع اسم المنتخب المغربي للشباب في سماء العالم، بعد فوزه المستحق ببطولة كأس العالم لكرة القدم، متغلباً على المنتخب الأرجنتيني بثنائية نظيفة، وهذا ما لا يمكن حصره في خانة الانتصار بمباراةٍ رياضية فحسب، بل يمكن اعتباره إعلاناً رمزياً واضحاً عن أن الشباب العربي قادر على أن يكتب فصول المجد حين يمتلك الإصرار والرؤية والمثابرة.

لقد أثبت «أسود الأطلس» أن البطولة لا تُولد من المصادفة، بل من العمل الجاد والالتزام المتواصل، والرعاية المستمرة. فالإيمان بالذات المترافق مع الدعمين المادي والمعنوي يصنع التاريخ مهما كانت المنافسة صعبة.

هذا الإنجاز لم يفرح المغاربة وحدهم، بل أيقظ في كل شابٍ عربي شعوراً بالفخر والأمل. فالعالم الذي شاهد الأداء المغربي المُشرِّف أدرك أن بمنطقتنا طاقات شبابية قادرة على المنافسة في أعلى المستويات. شبابٌ لم تثنهم الظروف ولا التحديات عن الحلم، بل جعلوا من الصعوبات سلّماً نحو التميُّز. إنها رسالة بليغة مفادها أن الحدود الحقيقية ليست بين الدول، بل بين مَنْ يحلم ومَنْ يتردَّد.

ولعل الدرس الأهم الذي تقدمه هذه البطولة يتجاوز حدود المستطيل الأخضر، إذ يُبرز قيمة التحضير والانضباط والعمل الجماعي كركائز أساسية لأي نجاح. فالشباب الذين خاضوا تلك المنافسة لم يحققوا الفوز بالعاطفة وحدها، ولا بالاندفاع المتهور، بل بالعقل والتخطيط والالتزام. وهذا بالضبط ما تحتاجه الأمة العربية اليوم في ميادين العلم والاقتصاد والتقنية والفن والإبداع، حيث المنافسة لا تقل ضراوة عن المنافسات الرياضية.

إن الرعاية الممنهجة للشباب والمواهب ليست ترفاً لحظياً، بل هي استثمار استراتيجي في المستقبل. فحين توفِّر الدولة والمؤسسات المعنية بيئةً حاضنة للإبداع، تبدأ رحلة التحوُّل من الطموح الفردي إلى الإنجاز الجماعي. 

تجربة المنتخب المغربي تُثبت أن تأهيل المواهب منذ الصِّغر، وتزويدها بالبنية التحتية المناسبة، والدعم اللازم، قادرة على صناعة أبطالٍ في الملاعب، كما في الجامعات، ومراكز البحث، وريادة الأعمال.

الرعاية لا تعني فقط تمويلاً أو تدريباً، بل منظومة قِيم تحفِّز الانضباط، وتغرس الثقة بالنفس، وتؤمن بأن كل شاب يحمل في داخله مشروع نجاح يحتاج إلى مَنْ يكتشفه ويؤمن به. ففي كل مختبر، وفي كل ورشة، وفي كل قاعة دراسية، يمكن أن يُولد «بطل عربي» جديد يرفع اسم بلده. والفرق الوحيد هو ميدان اللعب، فالعلم والفكر والاختراع ساحات إنجاز وانتصار لا تقل قِيمة عن ميادين الرياضة.

يكفي أن يؤمن الشاب العربي بأن النصر يبدأ من الداخل، والمشروع يتحقق من فكرة صغيرة تُراودنا على غفلة، والحقيقة هي ترجمة لحلم شغل مخيلتنا لوقت، وما الإنجاز إلا حصيلة الصبر والإصرار وحُسن اختيار المسار.

لقد أثبت الشباب المغربي أن مَنْ يملك الإرادة لا ينتظر المعجزات، بل يصنعها. فهل يلتقط شباب العرب جميعاً هذه الرسالة؟

* كاتب ومستشار قانوني

back to top