الأخطاء الإدارية والقرارات الارتجالية
إلى متى سنبقى ندفع من المال العام ثمن الأخطاء الإدارية والقرارات الارتجالية؟ إلى متى تستمر ثقافة التهرُّب من المسؤولية داخل المؤسسات الحكومية، حيث يُتخذ القرار الخاطئ، وتُرتكب المخالفة، ثم يُقال بكل بساطة: «عندك شي؟ روح اشتكِ... روح حق القضاء»؟ هذه الجُملة العابرة، التي أصبحت شعاراً متكرراً في أروقة الوزارات، كلَّفت الدولة ملايين الدنانير خلال السنوات الماضية. فهي تختصر منهجاً إدارياً خطيراً يقوم على التنصُّل من المسؤولية، وإلقاء العبء على ميزانية الدولة، بدلاً من مُحاسبة صاحب القرار.
القضاء الكويتي النزيه أنصف عشرات الموظفين الذين تضرروا من قرارات جائرة أو غير قانونية، لكن الإنصاف القضائي لا يُلغي الضرر المالي الذي تتكبَّده الخزينة العامة. فعندما يُنهى موظف كفء من عمله تعسفاً، ثم يعود بحُكم قضائي مع تعويضات مالية كبيرة، فإن المبلغ لا يُسترد من المسؤول الذي اتخذ القرار، بل يُدفع من المال العام. وهنا تكمن الكارثة الحقيقية: الخطأ يُرتكب من فرد، والعقوبة يدفعها الوطن.
هل يُعقل أن يظل النظام الإداري في الكويت قائماً على فكرة أن الدولة تتحمَّل كل تبعات القرارات الخاطئة؟ أين مبدأ المساءلة الفردية؟ أين أدوات الردع التي تمنع الوكلاء والمديرين من اتخاذ قرارات غير مدروسة أو ذات دوافع شخصية؟
المشكلة ليست فقط في القرار الخاطئ، بل في غياب المسؤولية القانونية والأخلاقية عن نتائجه.
حين يعلم المسؤول أنه لن يُحاسب، وأن أقصى ما يمكن أن يحدث هو نقل أو ترقية في وزارة أخرى، فمن الطبيعي أن تتكرَّر الأخطاء بلا توقف، بل إن بعضهم يتعامل مع القضاء وكأنه جهة لتصحيح أخطائه بعد وقوعها، بدلاً من أن يكون ضميره المهني هو الرقيب الأول قبل التوقيع على أي قرار مصيري.
القانون وُضع لحماية الناس والمال العام، لا ليُستخدم غطاءً للتعسُّف أو التهرُّب من المحاسبة. ويجب أن تُراجع الحكومة هذا المسار الخطير، ويجب أن تُقر آلية واضحة تُلزم الوزارة أو الجهة المعنيَّة بتحصيل التعويضات من المسؤول الذي تسبَّب في الخطأ، لا من ميزانية الدولة.
المطلوب اليوم ليس مزيداً من الشعارات، بل إصلاح تشريعي وإداري حقيقي يربط بين القرار والمسؤول عنه، ويجعل كل وكيل ومدير عام وموظف رفيع يُدرك أن توقيعه ليس مجرَّد حبر على ورق، بل أمانة مالية وقانونية أمام الوطن.
حين يتحمَّل كل مسؤول تبعات قراراته، لن نسمع بعد اليوم عبارة «روح اشتكِ»، لأن الخوف من القانون سيكون أكبر من الاستهتار به. وحينها فقط، سنحمي المال العام من الهدر، ونحمي القانون من أن يتحوَّل إلى عبثٍ مشرعن باسم العدالة.