بالمختصر: ضياع الأخلاق بين فرجينيا روبرتس ودكتور كلاين

نشر في 26-10-2025
آخر تحديث 25-10-2025 | 19:25
 د. فهد إبراهيم الدوسري

في مشهدين من أبشع ما شهدته البشرية من انعدامٍ للأخلاق، تتجسَّد تجارة الرقيق الحديث بثوبين مختلفين: الأول يرتدي بدلة الملياردير جيفري إبستين، الذي حوَّل المال إلى سُلطةٍ على الأجساد، والثاني يرتدي المعطف الأبيض للطبيب دونالد كلاين، الذي حوَّل العلم إلى وسيلةٍ لزرع نفسه في عشرات النساء من دون علمهن، تحت شعار «العلاج». 

المشهد الأول: ملفات إبستين وكتاب Nobody’s Girl 

في كتابها Nobody’s Girl، الذي صدر في أكتوبر 2025، تحكي فرجينيا روبرتس جيوفري كيف بدأت رحلتها من عملٍ بسيط في منتجعٍ فاخر إلى عالمٍ سريٍّ من الاستعباد الجنسي، تقوده شبكة من رجال السياسة والمال. 

لم يكن إبستين مجرَّد مجرم، بل كان نظاماً من النفوذ يُبرِّر كل انحراف بالثروة، ويُغلف الرذيلة بأناقة العلاقات الدولية. 

كانت جيوفري شاهدةً على زمنٍ يُباع فيه الجسد بالمزادات المغلقة، ويُشترى الصمت بشيكاتٍ ضخمة، زمنٍ يُقدَّم فيه الإنسان قرباناً لغرور الأقوياء. 

«Nobody’s Girl» ليس مجرَّد سيرة ذاتية، بل صرخةٌ متأخرة في وجه عالمٍ يقدِّس القوة أكثر من الكرامة، كتبته امرأةٌ قاومت حتى النهاية... ثم رحلت، لكن صوتها بقي شاهداً على زمنٍ باع الأخلاق في مزاد النفوذ.

 

المشهد الثاني: الطبيب الذي خان قسمه – سلسلة Our Father

أما في «الوثائقي» الأميركي Our Father، فنشهد نوعاً آخر من الخيانة: طبيب خصوبة استخدم سائله المنوي لتلقيح أكثر من 90 امرأة من دون علمهن، مدَّعياً أنه يستخدم متبرعين مجهولين. 

كان د. دونالد كلاين يرتدي معطف الطب، لكنه مارس جريمة روحية وأخلاقية، لم يسرق أجساد النساء، بل سرق نَسَب الأبناء، وترك خلفه عشرات الأبناء الذين اكتشفوا عبر فحوص ال DNA أنهم أشقاء من أبٍ واحدٍ غدر بالثقة والعلم والضمير. 

في الحالتين، لم يكن السلاح رصاصة، ولا سكّيناً، بل السُّلطة المغلَّفة بالثقة: المال عند إبستين، والعلم عند كلاين. 

وتلتقي القصَّتان في جذرٍ واحد: غياب المعنى الأخلاقي للإنسان. فإبستين استعبد الجسد باسم اللذة، وكلاين لوَّث النَّسب باسم الطب، وكلاهما جرَّد الضحية من حقها في الاختيار، وحوَّل العلاقة الإنسانية إلى مُعادلة استغلال. 

يقول أحد فلاسفة الأخلاق: «حين ينفصل العلم عن الضمير، يُصبح أداة قتلٍ باردة». وهكذا رأينا- في زمنٍ واحدٍ- المال بلا قِيم، والعلم بلا ضمير. 

ومضة ختامية

في ملفات إبستين، ضاعت العدالة بين النفوذ والرغبة، وفي عيادة د. كلاين، ضاعت الإنسانية بين المجهر والرحم. كلاهما درسٌ للبشرية: أن الجريمة لا تُقاس بعدد القتلى، بل بعدد القِيم التي ماتت في الطريق إليها. 

دمتم بود

*باحث في علوم الأدلة الجنائية والذكاء الاصطناعي

back to top