رونغ سايد
رجل الأعمال يشكو الحال - كما يشكو الوطن - أن الخروج لقضاء أبسط الحاجات صار مغامرة يومية تستدعي الاستعداد كما لو كانت رحلة طويلة إلى المجهول. يقول بمرارة: «من أراد اليوم أن يخرج بسيارته فعليه أن يحمل معه سريراً للنوم، ووجبة سريعة، وكل ما يلزم للبقاء على قيد الحياة، فالوقت المهدور في طوابير الازدحام المروري يلتهم من أعمارنا ما لا يعوّض».
الطرقات تحولت إلى مسرح عبثيّ طويل: سيارات متوقفة أو تتحرك بسرعة السلحفاة، وصفارات الإسعاف والشرطة تعلو وتختنق في الزحام دون جدوى. لا انفراج في الأفق، فقط قرف يلد قرفاً في إمبراطورية الترقيعات الأبدية، حيث يُستبدل الحلّ المؤقت بآخر مؤقت أكثر بؤساً، وتُدفن الخطط الكبرى في أدراج التناسي الرسمي.
سنوات من الوعود المتكررة، وخطابات «التيش بريش»، التي لا تنتج إلا صدى الكلمات. لا إرادة، ولا رؤية، ولا تصميم على إنهاء الأزمة. ما يُسمّى «ساعات الذروة» أصبح مزحة سمجة، فالكويت تعيش ذروتها المرورية على مدار أربعٍ وعشرين ساعة في سبعة أيام. أما الحديث عن النقل العام والمترو والجسور فليبقَ للاستهلاك الإعلامي، إذ لا ميزانيات تُرصد، ولا أولويات تُقدَّم، وما يُعدّ ضرورياً عند الناس ليس كذلك عند أصحاب القرار.
وحين يدركون — إن أدركوا — أن الأزمة بلغت مداها، تأتي «الحلول» من جنس الأزمة نفسها: مثل أزمة مواقف المستشفيات التي حُلّت بعقوبات ومخالفات، بلا ذرة تفكير عقلاني أو تخطيط مستدام. بلغنا مرحلة اليأس.
ثم يعرج صاحب الشكوى إلى الاقتصاد فيسأل — وهو رجل أعمال يعرف الأرقام كما يعرف نبض السوق — هل نحن فعلاً في الكويت الرأسمالية، أم في كوريا الشمالية؟! فأسعار السلع مجمّدة منذ خمس سنوات، لا أحد يحتسب التضخم أو تكاليف النقل، والخسائر تنهش السوق. صحيح أن المستهلك يعاني، لكن التاجر كذلك، والعالم بأسره يئن منذ أن أطلق ترامب حرب الرسوم الاقتصادية.
هل يمكن التوفيق بين الطرفين؟ إن كانت «اليد الخفية» لآدم سميث هي الحل، فدعُوها تعمل! لكن كيف تعمل والاحتكارات جاثمة، والأسواق مغلقة، والقرارات تُطبخ في غرف صامتة لا يدخلها صوت الناس؟! وفي ختام حديثه، يتنهد صاحبنا قائلاً: «أنتم أدرى يا أهل القرار، ما دمتم تملكون الخيط والمخيط. أما نحن فلا أحد يصغي، ولا نملك إلا أن نقول كلماتنا الأخيرة ونحن نخشى أن نحاسب حتى على الحرف. فكل شيء اليوم يبدو... رونغ سايد في هذا الطريق المغلق».