حسين يفكر:... ما بعد التقاعد

نشر في 24-10-2025
آخر تحديث 23-10-2025 | 19:53
 حسين محمد

في السنوات الأخيرة بدأ بعض رجال الأمن بعد تقاعدهم يظهرون في البرامج والبودكاست ويتحدثون عن تفاصيل من الماضي وعن قضايا مرّوا بها أثناء خدمتهم وكأنها قصص عادية أو تجارب شخصية يريدون روايتها للناس. لكن ما لا يدركه البعض أن ما يقال في دقائق قد يحمل بين سطوره أسرار عمل أمني امتد عقوداً، وأن بعض هذه التفاصيل قد تُفهم بشكل مختلف أو تُستخدم بطريقة لا تخطر على البال. 

رجل الأمن لا يتقاعد من مسؤوليته، فالأمانة التي حملها في أيام الخدمة تبقى في رقبته حتى بعد أن يخلع بذلته العسكرية. ما رآه وسمعه وعرفه ليس حكاية تُروى، بل جزء من ذاكرة الوطن التي يجب أن تُصان. من حقه أن يفخر بتاريخه، لكن ليس من حقه أن يفتح الأبواب أمام من قد يستغلون هذه المعلومات أو يتعلمون منها كيف يتفادون القبضة الأمنية. بعضهم يتحدث بحسن نية، يريد أن يشارك تجربة أو يوضح موقفاً، لكن النية لا تبرر النتيجة. الكلمة إذا خرجت للعلن لا يمكن استعادتها، وقد تكون سبباً في ضرر كبير، فإفشاء أسرار العمل حتى لو لم يُقصد به سوء هو إخلال بأخلاقيات رجل الأمن التي بُنيت على الانضباط والوفاء والسرية. 

اليوم المعلومة تنتقل بسرعة الضوء، وما يقال في بودكاست محلي يمكن أن يسمعه العالم كله في لحظة، لذلك الصمت في بعض الأحيان هو أعلى درجات الوفاء، لأن من خدم وطنه بإخلاص لا يحتاج إلى مايكروفون ليُثبت ذلك. 

ختامًا، على كل رجل أمن أنهى خدمته أن يتذكّر أن الشرف لا يُحال إلى التقاعد، وأن من حفظ أسرار عمله بعد خروجه من الخدمة إنما يواصل خدمة الوطن بطريقته الصامتة، الصادقة، المخلصة.

back to top