هل قضى ال «AI» على شخصية «أبو العرّيف»؟

نشر في 24-10-2025
آخر تحديث 23-10-2025 | 19:42
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

أبو العرّيف شخص أعطى نفسه شهادة فخرية في المعرفة والذكاء، مشكلته فقط أنه لا أحد يقدّر قيمته العلمية كما يريد هو، لذلك قرر أن يُظهر عبقريته بأي شكل من الأشكال، ولو على حساب الآخرين. والحقيقة أنه لا يحب أن يُعلّم، بل ليثبت أنه الأعلم، وحتى يكتمل هذا الدور في تصوره فلابد له أن يُشعِر الآخرين بالجهل! 

ولعل من أطرف المواقف التي مرّت علي مع أبو العرّيف كانت في سنة 2003، كنت على متن الخطوط الجوية الكويتية راجعاً من بريطانيا إلى الكويت، فصادف أن جلس على شمالي شخص أظنه في أوائل الستينيات وكان من ذلك النوع، وما إن استقرت بنا الطائرة في السماء حتى بادرني بصوت الواثق الخبير: هل تعرف طراز هذه الطائرة؟ فقلت: لا.. فهزّ رأسه مبتسماً وقال: هذه من طراز «إيرباصA340»، ثم لم يمهلني حتى عاجلني بسؤال آخر: هل تعرف نحن على ارتفاع كم قدم؟ فقلت: لا، لكن الكابتن أبلغنا قبل قليل، فتجاهل جوابي، وقال وهو ينظر إلى السقف: نحن على ارتفاع خمس وثلاثين ألف قدم، هل تعرف كم تساوي بالمتر؟ فقلت لا أعرف. فقال: تساوي عشرة آلاف وستمئة وسبعين متراً. ولم يكد ينهي عبارته حتى أردف: هل تعرف كم يبلغ الضغط داخل الطائرة؟ وأنا أنصت. ثم أجاب بنفسه: متوسط الضغط 800 مليبار، وهذا الضغط المُكيَّف صناعياً يسمح للركاب بالتنفس دون الحاجة إلى أقنعة الأكسجين. ثم سألني: هل تعرف كم سرعة الطائرة الآن؟ فنظرت في عينيه، وكان تعبير وجهي يقول «اللي بعده»... توالت أسئلته وأرقامه وكأنني في امتحان قبول بكلية الطيران! حتى قلت له: تبارك الرحمن، يبدو أنك طيار متقاعد؟! فضحك باستخفاف، وقال: لا، لا، هذه معلومات بديهية... هنا بادرني شك في أنني أمام مشهد تمثيلي، فالرجل رغم استمتاعه باستعراض كل هذه المعلومات الفائضة عن الحاجة، لا يعرف أن يضع كلمة بديهية في مكانها الصحيح! فالبديهيات شيء، والمعلومات العامة شيء آخر! 

ثم سألته ما هو تخصصك إذن؟ فقال: مساعد مهندس ميكانيكا. ثم التفت إليّ بعد حين وسأل: وأنت؟ قلت: Graphic design فتغيرت ملامح وجهه، فعرفت أن الكلمة لم ترد في قاموسه، خصوصاً أن التخصص لم يكن شائعاً في ذلك الوقت. ومع ذلك، لم يسمح له غروره أن يسأل ما هو هذا التخصص؟! كي لا يفسد تألّقه في تقمّص شخصية «شريف العلمي»، وفضّل أن يتظاهر بالإحاطة الشاملة بكل العلوم إلى الرّمق الأخير! فقلت في نفسي: يبدو أنني سأُنهي المسرحية بهذا السؤال، وستنزل الستارة قبل أوانها! قلت: هل تعرف هذا التخصص؟! فقال: نعم، إنه تخصص الديكور والإضاءات والمسرح!

عزيزي القارئ، لم تنتهِ القصة إلى هنا، فقد استيقظ صاحبه الذي كان نائماً على يميني، فسلّم علي، وقال: هل تعرف نحن على ارتفاع كم قدم؟ فقلت له: عفواً، من حضرتك؟! فقال: معك المهندس حسن.

back to top