المجتمع الكويتي بين التناقض والبحث عن التوازن

نشر في 19-10-2025
آخر تحديث 18-10-2025 | 20:44
 ضاري المير

المجتمع الكويتي يعيش منذ عقود حالة من التوتر الداخلي بين الحداثة والمحافظة، بين الدولة الحديثة التي قامت على التعليم والدستور، والمجتمع التقليدي الذي لم يتجاوز بعد رواسب القبيلة والطائفة والولاء الشخصي.

هذه الإشكالية لم تنشأ فجأة، بل هي نتاج مسارٍ طويل من التفاعل بين ثروة النفط، والهوية الوطنية، والسُّلطة السياسية، وتحوُّلات القِيم الاجتماعية.

بين الأصالة والحداثة، يعيش الكويتي في مفترق طرق دائم: يريد أن يكون حديثاً في مظهره، متطوراً في معيشته، لكنه يظل مقيَّداً بمنظومة قيمية واجتماعية تجعله حذراً من التغيير. ترى الشاب يدرس في أرقى الجامعات الغربية، لكنه يعود ليصطدم بواقعٍ لا يسمح له بممارسة ما تعلَّمه من حُرية وفكر نقدي. وتجد المرأة الكويتية حققت نجاحاً مدهشاً في التعليم والعمل، لكنها ما زالت تواجه جداراً صلباً من الأعراف والمفاهيم القديمة، التي تحصر دورها في قوالب جاهزة. النفط والدولة الريعية: الثروة النفطية، رغم أنها صنعت نهضة عمرانية وتعليمية كبيرة، لكنها أوجدت اعتماداً شبه كامل على الدولة. تحوَّل المواطن من شريكٍ في بناء الوطن إلى متلقٍّ للامتيازات، وتحوَّلت الدولة من إطارٍ جامع إلى مصدرٍ للرزق والمنافع.

ومع غياب العدالة في توزيع الفرص، تفاقمت النزعات الفردية والمناطقية، وضعف مفهوم «المواطنة المنتجة» لمصلحة ثقافة «الاعتماد على الغير».

هنا تكمن واحدة من أكبر الإشكاليات: كيف تبني دولةً حديثة بعقلية ريعية؟

الطائفة والقبيلة... دوائر الهوية الصغيرة: رغم مرور أكثر من ستين عاماً على الدستور، ما زالت العصبيات الصغيرة أقوى من الانتماء الوطني في كثيرٍ من الأحيان. تغلب على الخِطاب العام روح الانقسام: سني وشيعي، حضري وبدوي، موالٍ ومعارض.

وهذه الانقسامات لا تقتصر على السياسة، بل تتسرَّب إلى التعليم، والعمل، وحتى الزواج والصداقات.

لقد تحوَّلت الهوية الوطنية إلى مظلة شكلية، فيما الولاءات الفعلية تُمارس في دوائر مغلقة، ما جعل المجتمع هشاً أمام أي أزمة سياسية أو اقتصادية.

أزمة القِيم العامة: في ظل هذا التشابك، ضاعت البوصلة الأخلاقية العامة. لم تعد القِيم تُقاس بالعمل والإنجاز، بل بالمنصب والعلاقات والنفوذ. ضعف الإحساس بالمسؤولية العامة، وتراجع الحسّ المدني، الذي كان يوماً ما ميزة الكويتيين الأوائل الذين بنوا الدولة على التعاون والبساطة والصدق في العمل.

وأمام هذه الفوضى، ظهرت أجيال جديدة تعيش الحيرة: بين حلم التغيير، ورغبة البقاء في منطقة الراحة.

الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد: الحل لا يكمن في الهجوم على الماضي، بل في فهمه وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع على أُسس المشاركة والشفافية.

المطلوب مشروع وطني يُعيد الاعتبار للمواطنة، ويربط بين الحقوق والواجبات، ويضع الكفاءة قبل الولاء، والعقل قبل العاطفة. فلا يمكن لمجتمعٍ أن ينهض وهو غارق في تناقضاته الداخلية، ولا لدولةٍ أن تستقر من دون عدالةٍ حقيقية ووعيٍ مدني جامع.

إشكالية المجتمع الكويتي ليست في نقص الإمكانيات، بل في غياب الرؤية. نملك المال والعقول والتاريخ، لكننا نفتقد التوافق على مشروع وطني جامع يتجاوز الانقسامات الضيقة.

الكويت تحتاج إلى جرأة في الاعتراف بالمشاكل ومصارحة الذات، فالإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل، حين نقرر جميعاً أن نكون مواطنين لا رعايا، شركاء لا متفرجين.

back to top