القهوة بين الجمرة والعدسة
قم يا محمد سوَّ حلوٍ ومرا رسمٍ إليا جوك النشاما هل الكيف ــ الفارس والشاعر تركي بن حميد
***
كانت القهوة يوماً علامة من علامات الرجولة والكرم. تُغلى على نار الصبر، وتُقدَّم في مجالس الكبار بوقار وهيبة. كان فنجانها يعكس المروءة والاحترام، ورائحتها ترتبط بالمجالس والقصيد والنخوة، لكن الزمن تغيَّر، وتغيَّرت معه رمزية القهوة. فالمقاهي الحديثة لم تعد حِكراً على الرجال، بل أصبحت وجهة يومية للفتيات والأطفال قبل غيرهم. يتحلَّقون حول أكواب مزخرفة تحمل أسماء أجنبية، ويحرصون على توثيقها قبل تذوُّقها، وكأن الصورة باتت أهم من المذاق. القهوة التي كانت تجمع الرجال حول النار، صارت تجمع الأصدقاء حول العدسات. لم تعد لحظة لتبادل الحديث، بل لحظة لالتقاط «المحتوى». تُزيَّن بالرغوة والشكولاتة أكثر مما تُغلى بالبُن، وتُشرب بحثاً عن الإحساس، لا عن السهر.
هذا التحوُّل لا يُدان ولا يُمَدَح، بل يُقرأ كعلامة من علامات تغيُّر الحياة الاجتماعية. فجيل اليوم يجد في القهوة فضاءً للتعبير عن ذاته وذوقه، لا رمزاً للكرم والكيف. وبين جمر الأمس وعدسات اليوم، تبقى القهوة حاضرة تغيّر شكلها، لكنها ما زالت تجمع الناس بطريقتها الخاصة.