ما قل ودل: الشرق الأوسط الجديد والتسوية النهائية لقضية فلسطين

نشر في 19-10-2025
آخر تحديث 18-10-2025 | 20:42
 المستشار شفيق إمام

ونحن الآن على أبواب تسوية سياسية تختلط فيها الأوراق بالأزمة العالمية والحرب الاقتصادية التي شنها ترامب على العالم أجمع حتى على حلفائه في أوروبا وكندا وبريطانيا وغيرها، انعقد مؤتمر السلام في شرم الشيخ مدينة السلام ليعود إلى مصر دورها الريادي في القضايا العربية بوجه عام، وفي القضية الفلسطينية بوجه خاص، وقد حضر هذا المؤتمر زعماء وقادة 20 دولة لتشارك في حضوره، ليوقع فيه رؤساء أميركا ومصر وتركيا وقطر على اتفاقية لضمان تنفيذ هذه التسوية، بعد أن أعلن ترامب انتهاء الحرب، وهو ما أعلنه كذلك في زيارته الأخيرة لإسرائيل في خطابه الذي ألقاه في الكنيست، إلا أنه مع كل التقدير لشركاء ترامب في هذا الضمان، فإن تجارب العالم كله مع ترامب تؤكد أنه لا يلتزم بكلمته أو وعده، خاصة إذا تعلق الأمر بإسرائيل، فتحت الأكمة ما تحتها، وفي خفايا الجدران المغلقة ما يمكن أن ينسف هذه التسوية، وتعود الحرب من جديد أو تستمر حرب الإبادة، ولكن بخطى أبطأ، وبتمهل أكثر، كما كانت حرب الإبادة قبل السابع من أكتوبر 2023، وهو ما حدث يوم الأربعاء الماضي عندما أطلق جيش الاحتلال الرصاص على خمسة شباب فلسطينيين استشهدوا على الفور، بدعوى أنه أطلق عليهم أعيرة نارية تحذيرية، فلم يستجيبوا.

أحكام بالإعدام خارج القانون

هذا ما طالعتنا به أخبار أمس من أن مركز قيادة من ضباط أميركيين أنشئ في غلاف غزة سوف تجري قوات تابعة له البحث عن جثامين الرهائن الإسرائيليين، وبطبيعة الحال سوف يبحثون عنهم في الأنفاق، حيث يخرج منها أشاوس «حماس» للانقضاض على الجنود الإسرائليين ومدرعاتهم ومصفحاتهم، وقد صرح نتنياهو بأن حماس تعرف مكان دفن هذه الجثامين، ومن هنا فإن أحكاماً بالإعدام خارج القانون سوف يقوم الباحثون عن الجثامين بتنفيذها على رجال «حماس» في هذه الأنفاق، لتصبح مهمتهم مزدوجة، عبر تنفيذ هذه الأحكام، وهي تنزع سلاح «حماس» وفقاً لبنود الاتفاقية.

فإذا استأنفت «حماس» المقاومة دفاعاً عن النفس فسوف تستأنف حرب الإبادة الجماعية، لأن «حماس» هي التي خرقت الاتفاقية.

السلام الاقتصادي والتطبيع

وإننا لنعجب من خطة ترامب الجهنمية في التسوية ذات البنود العشرين الفضفاضة، فلم يكن يخطر ببال أحد نفسه مثل هذه الحبكة الدرامية في تنفيذ حرب الإبادة الجماعية، بشرعية خلفتها عليها هذه التسوية، فالسلام الاقتصادي قادم لا محالة لينعم الشرق الأوسط بالسلام الاقتصادي والازدهار، بديلاً عن الجحيم الذي كان ترامب يتوعد به المنطقة جهاراً وليلاً ونهارا.

وفي سياق المحاضرة التي تناولناها في مقال سابق والتي ألقاها المحاضر المصري في باريس عام 1995 عن مستقبل العرب، تنبأ بنظام جديد للشرق الأوسط، حيث يقول في محاضرته، بالحرف الواحد، إن إسرائيل عندما يحين الوقت للتسوية النهائية لا تريد أن تجد مسلمين ومسيحيين في الأندلس العربية، ولا تريد مسلمين وصرباً في البوسنة الفلسطينية، ولا تريد وطناً ثنائياً «الفلمنك»، والوالون» في بلجيكا الإسرائيلية، إنما تريد دولة واحدة وديناً واحداً.

وفي سياق التطهير العرقي لعرب فلسطين، فإن مشروع «شارون» الشهير عن تهجير عرب فلسطين إلى خارج فلسطين حيث كان هذا المشروع يقوم على جرى في يوغسلافيا السابقة وخلال السنوات الخمس قد خلع جذور 4 ملايين من البشر من أوروبا.

وفي مؤتمر قمة عمان 1992 الاقتصادية وقف شيمون بيريز وقال إن القدس ليست مفتوحة لأي نقاش، عندها تدخل وزير خارجية مصر ليلفت النظر إلى مخاطر ما سمي بالهرولة بعد التطبيع، كما أن الولايات المتحدة الأميركية التي أعطت نفسها دور المسؤول العالمي عن حقوق الإنسان، القضية النبيلة، تستعملها كالسياط تجلد به المخالفين، وترهب المترددين، وتسوق الجميع أمامها إلى حيث يطلب منهم أن ينساقوا، وتنبه بها وتذكر الموالين والمتعاونين في خدمة سياسات يصعب وصفها بالنبل.

إن الشرق الأوسط الجديد كما تنبأ به المحاضر يجب أن تتوافر له عناصر ضرورية: عنصر مصالح لا تتعارض، وعنصر أمن لا يتصادم، وعنصر ثقافة إذا لم تكن مشتركة فعلى الأقل متصلة، وفصل بين السلام الاقتصادي المسرع والسلام السياسي المتمهل، نظام ليس له على الطبيعة قواعد يعلو فوقها، فكان مؤتمر القمة الاقتصادية في الرباط أواخر سنة 94 وفي عمان أواخر سنة 1995، حيث تحدد موعده في القاهرة أواخر سنة 1996، مؤتمرات قمة تشرف عليها شركات علاقات عامة دولية لتحرير التطبيع من موانع وقيود السياسة، حيث تنبأ بفريق يظهر على الساحة العربية يؤيد التطبيع بلا قيد أو شرط، باعتبار أن الزمن الحاضر هو عصر المصالح القائمة، وأن مشاكل السياسة هي تركة عصر فات.

ويؤكد هذا السياق أن شيمون بيريز يشرح لبعض حكام العرب الخلاف بينه وبين خصمه وسلفه إسحاق رابین، بأن رابين يختص بالمسائل السياسية، وهي من معلقات التاريخ، أما هو فيختص بالتطبيع الاقتصادي، وهو أمل المستقبل.

وفي سياق السلام السياسي المتمهل يذكر المحاضر الخطوات التي خطتها القضية الفلسطينية من مؤتمر مدريد إلى مؤتمر أوسلو، ومن مشهد انتفاضة الجليل في غزة ومدن الضفة الغربية إلى اكتساب إسرائيل شرعية اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بها، في أوسلو، فتحول اغتصاب الأرض إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين له حصانته القانونية، لتصبح أميركا الراعية لإسرائيل بطول مشوار الصراع العربي - الإسرائيلي راعية للطرفين.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top