من هنري الثامن إلى نتنياهو: إعادة إنتاج مسرحية الطغيان

نشر في 19-10-2025
آخر تحديث 18-10-2025 | 20:41
 أ. د. فيصل الشريفي

لم يكن هنري الثامن مجرَّد ملكٍ في عصر النهضة، بل كان نموذجاً مؤسساً للطاغية الذي يصوغ الأديان ويحرِّف المفاهيم، ليشكِّل قوانين تخدم شهوته للسُّلطة والسيطرة المُطلقة.

واليوم نرى إعادة إنتاج لذات النموذج في شخص بنيامين نتنياهو، وإن كانت بأساليب أكثر دموية وتطرُّفاً.

لقد استخدم هنري الثامن «الإصلاح الديني» لتحقيق مكاسب شخصية، وكذلك فعل نتنياهو، باستخدامه الورقة الدينية والعنصرية لتحقيق أهدافه التوسعية. فتحت شعار «الأمن» و«أرض الميعاد»، بات يُشرع لإبادة جماعية في حق سكان غزة، تماماً كما شرع هنري الثامن إعدام زوجاته ومعارضيه من القساوسة الكاثوليك أو أي أحدٍ يخالف رغبته تحت ذرائع دينية واهية.

هنري الثامن عشر لم يتردَّد في قتل أقرب المقرَّبين له من أصدقائه ومساعديه ووزرائه عندما كان يشعر بأي تهديد لسُّلطته المُطلقة، وكذلك فعل نتنياهو، بإقصاء معارضيه لمشروعه التوسعي والإجرامي، والذي جاء على حساب آلاف الأطفال والنساء والعزل في غزة.

ابتدع هنري الثامن فكرة الكنيسة الإنكليزية، التي اختلقها بسبب معارضة روما للرضوخ والانسياق وراء رغباته في تطليق زوجاته، وكذلك فعل نتنياهو، بتحريف التاريخ والتوراة ليشير إلى حق ديني مزعوم في أرض فلسطين، مخالفاً بذلك وضارباً بعرض الحائط أبسط مبادئ العدالة والإنسانية والقوانين الدولية.

هنري الثامن تلاعب بمفهوم التحالفات الأوروبية ليبقى في السُّلطة، وكذلك يفعل نتنياهو في استغلال المصالح الغربية باللعب بالتوازنات الإقليمية والدولية، مُستخدماً الورقة الأميركية والصراع مع إيران والمقاومة حجةً لتبرير بقائه واستمرار جرائمه.

بالمقارنة بين الطاغيتين، فإن هنري الثامن كان يقتل خصومه من النُّخبة، فيما نتنياهو يقتل شعباً أعزل. هنري الثامن كان يدمر حياة أفراد، فيما نتنياهو يدمر أجيالاً كاملة، ويُقوِّض إمكانية الحياة لمليونَي إنسان في قطاع غزة.

لقد امتاز هنري الثامن في فن الخطابة والدهاء وقوة الشخصية والمكر، وكان في بعض الأحيان يقدِّم بعض التنازلات لخصومه وللملوك والإمبراطوريات، فيما نتنياهو، وإن اشترك معه في هذه الصفات، إلا أنه لا يقدم أي شيء من هذا، لا لمعارضيه ولا حتى لأولياء نعمته من الأميركان والأوروبيين.

خاتمة:

تاريخ الطغاة يتكرَّر، لكن بأشكال أكثر فظاعة من هنري الثامن إلى نتنياهو، تتعلَّم الأنظمة الاستبدادية كيف تطوِّر أدواتها تحت كل المسوقات، لكن الجوهر يبقى نفسه، الاستهانة بالحياة البشرية، وتحريف الدِّين والقانون والمبادئ الإنسانية، واستخدام السُّلطة المُطلقة لإبادة كل مَنْ يعترض طريق المشروع التوسعي، لكن الدرس والعِبر التاريخية تؤكد أن مصير الطغاة واحد، وإن اختلفت التفاصيل.

ودمتم سالمين

back to top