تستور... العشب الأخضر اليانع

نشر في 17-10-2025
آخر تحديث 16-10-2025 | 18:50
 نايف صنيهيت شرار

تقع مدينة تستور في الشمال الغربي لتونس، حوالي سبعين كيلومتراً غرب تونس العاصمة، وهي إحدى أجمل مُدن هذا البلد، لما تُخفيه في ثناياها من عراقة تاريخية وأصالة عمرانية. أسَّسها الأندلسيون المهاجرون، وأطلقوا عليها «تيكيلا» القديمة، أي «العشب الأخضر» أو تستور.

بدأت موجات هجرة الأندلسيين إلى شمال إفريقيا منذ القرن الثالث عشر الميلادي، لتتوالى الهجرات، وصولاً إلى القرن السابع عشر، وذلك عندما أُجبرت مجموعة منهم مغادرة قشتالة، والانتقال إلى تونس، التي أسَّسوا فيها عام 1609 مدينةً على أنقاض حاضرة تيكيلا الرومانية، الواقعة على هضبة في حوض مجردة شمالَي تونس، لِتُسَمَّى لاحقاً بتستور.

وتقع المدينة على ربوة ارتفاعها بين 70 و90 متراً على سطح البحر، تتوسطها البساتين الخضراء، وتُحيط بها الجبال من كل الجهات. طراز العمارة وساعة المدينة وغيرها من الآثار الأندلسية، دفعت العديد من الباحثين إلى الاهتمام بتاريخها، دراسةً وتحقيقاً، وبآثارها، ترميماً وعنايةً، حيث صدرت عدة دراسات تبحث في التأثيرات الأندلسية على مدار مئات السنين. وقد قام المورسكيون الأندلسيون برسم حياتهم كما هي في الأندلس، لتكون تستور قطعة أندلسية على أرضٍ تونسية، حيث تم تقسيم المدينة إلى عدة أقسام، منها شارع رئيسي يمثل الشريان الاقتصادي الذي تنشط به المحال التجارية المتعددة، فضلاً عن الجامع الكبير الذي تزينه الساعة الشهيرة، والتي تدور عكس المألوف (ساعة تستور)، ثم منطقة بطحاء الأندلس، وهي ميدان كبير بمنزلة نادٍ اجتماعي يتحلَّق فيه التونسيون بعد ساعات العمل الرسمية ليتبادلوا النقاش ويتقاسموا الخبرات، وما زالت محتفظة بالتقليد نفسه إلى الآن.

شُيِّدَ داخل هذه المدينة الصغيرة أربعة عشر مسجداً، وسبع زوايا لتحفيظ القرآن، ومَنْ يتمم الدراسة بها يلتحق بجامع الزيتونة. وجرت العادة أن تتولَّى الأسرُ نفقات طلاب العلم بهذه الزوايا العريقة، جلباً للأجر، وتحفيزاً على حفظ القرآن وضبط علومه الشرعية.

back to top