هل انتصرنا؟
السؤال المتداول: كيف نسمِّي اتفاقية إنهاء الحرب انتصاراً، بعد أن قُتل أكثر من 60 ألف مدني، معظمهم من النساء والأطفال، وبعد أن دُمِّرت غزة بالكامل، وأصبحت كومة من الأنقاض وغير قابلة للعيش؟! فهل هذا انتصار؟! وإن كان انتصاراً، كما تزعمون، فهل يستحق كل هذه الكلفة؟
نعم، الكلفة كبيرة على الطرفين، لكن هناك أسئلة أخرى يجب أن نجيب عنها، قبل أن نجيب عن سؤال حجم الكلفة أو فاتورة الحرب.
أولاً: مَنْ كان يتوقع أن تُحرِّك أميركا أساطيلها، وتفتح كل خزائنها العسكرية والمالية لتُبيد غزة عن بكرة أبيها؟! مَنْ كان يتوقع أن تصمد هذه الثلة المؤمنة المقاومة لوحدها في وجه أكبر ترسانة حربية في العالم لمدة عامين بلا خضوع؟! مَنْ كان يتوقع هذا الصمود الأسطوري وهذا الصبر المُعجز على هذا الابتلاء العظيم؟! (سُئِلَ رسولُ اللهِ: أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتَلى الناسُ على قدرِ دِينِهم، فمن ثَخنَ دِينُه اشتدَّ بلاؤه، ومن ضعُف دِينُه ضعُفَ بلاؤه، وإنَّ الرجلَ لَيصيبُه البلاءُ حتى يمشيَ في الناسِ ما عليه خطيئة).
مَنْ كان يتوقع أن تكون هذه المِحنة عامة للجميع، ليَميز الله الخبيث من الطيب، ويكشف المستور؟! مَنْ كان يتوقع أن يكون السابع من أكتوبر هو بداية ضبط ميزان العدل من جديد، وإعادة تعريف مفهوم الظالم والمظلوم، الذي كان أُلعوبة في يد الإعلام العِبري وصبيانه؟ مَنْ كان يتوقع أن تتفطَّر قلوب البشر وتسيل دموعهم من مشاهد الحرب على غزة؟! مَنْ كان يتوقع أن يقف خالد نبهان (روح الروح) هذا الفلسطيني المتواضع بوجه أكبر آلة إعلامية، وينسف روايتها نسفاً بهذا المشهد الصادق العفوي؟! مَنْ كان يتوقع أن تتعاطف شعوب العالم مع القضية الفلسطينية، وأن يخرجوا للدفاع عنها مهما كلفتهم الأثمان، حتى لو خسروا شهاداتهم ووظائفهم وحُريتهم، من أجل الشعب الفلسطيني المقهور؟ مَنْ كان يتوقع أن تُرفع أعلام فلسطين في كل شوارع الدنيا، وتُلبس الكوفية على الأكتاف والرؤوس؟! مَنْ كان يتوقع كيف أصبحت القضية الفلسطينية هي القضية الأولى في العالم؟! مَنْ كان يتوقع أن تُصبح فلسطين هي أيقونة الحُرية ورمز الشجاعة والبطولة؟ مَنْ كان يتوقع أن ينكشف الغطاء الذي كان يخفي مدى خباثة اليهود ووضاعتهم؟! مَنْ كان يتوقع أن تُصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعها؟ مَنْ كان يتوقع أن تقطع بعض الدول علاقاتها مع إسرائيل؟ مَنْ كان يتوقع أن تُكسر أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وتُكسر قُبته على رأسه؟ مَنْ كان يتوقع حجم هذه الخسائر الاقتصادية المهولة التي تكبَّدتها إسرائيل؟ وعدد القتلى والجرحى والمصابين؟ مَنْ كان يتوقع أن يزداد اعتراف الدول بفلسطين؟ مَنْ كان يتوقع أن تطالب الشعوب بقطع علاقاتها مع إسرائيل وطرد اليهود؟! مَنْ كان يتوقع كمية الذين اعتنقوا الإسلام بعد هذه الأحداث؟
عزيزي القارئ، هل تحرَّرت الجزائر بالإقناع والمنطق والمفاوضات والكلمة الطيبة؟