تقرير اقتصادي: أرقام الحكومة تنطق بإخفاقاتها التنموية!
• نصف مرتكزات رؤية «كويت 2035» نتائجه صفرية... والقياس بالإنفاق المالي مختل
• مشروعا المطار وميناء مبارك لم يحققا تقدماً خلال عام... ولا إنجاز من بين 141 مشروعاً
• مشاريع الدبدبة والتحلية بالطاقة المتجددة وخفض البصمة الكربونية متوقفة دون ذكر المعوقات!
تظهر البيانات الرسمية، التي نشرها تقرير متابعة الخطة السنوية (الربع الأول 2025/2026) الصادر عن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية أن نسبة إنجاز المرتكزات الرئيسية التسعة لرؤية «كويت جديدة 2035» بعد 8 سنوات من إطلاقها، وقبل 10 سنوات من موعدها، قد بلغت في متوسط مرتكزاتها 2.25 في المئة فقط.
وحسب التقرير، الذي يقيس الفترة من 1 أبريل إلى 30 يونيو من العام الحالي، واطلع عليه مجلس الوزراء مؤخراً، تم إنفاق 132.4 مليون دينار على المشاريع الحكومية الواردة في الخطة، بما يمثل 9.9 في المئة من الاعتمادات المالية المقررة لإجمالي الخطة البالغة 1.3 مليار دينار، وهو ما وصفته وكالة الأنباء الكويتية «كونا» الى جانب مركز التواصل الحكومي بـ «أعلى معدل إنفاق تنموي ربع سنوي خلال السنوات الخمس الماضية، بما يعكس التوجهات الحكومية المتسارعة نحو تنفيذ المشروعات الرأسمالية ودفع عجلة التنمية في البلاد» حسب تقرير الوكالة والمركز الحكومي.
وخلال الاطلاع على تقرير متابعة الخطة السنوية (الربع الأول 2025/2026) الصادر عن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، وهي جهة حكومية فإن جميع الأرقام والمؤشرات تبين أن خطة التنمية في الكويت لا تزال على الطريق الخاطئ نفسه، الذي لم يمكّن الإدارة الحكومية من تحقيق مستهدفات خطط التنمية الثلاث السابقة منذ إطلاقها عام 2008/2009، بالتالي لا يُتوقع أن تحقق تحولاً تنموياً جوهرياً في خطة التنمية الرابعة.
2.25 % متوسط إنجاز مرتكزات رؤية «كويت جديدة 2035» الرئيسية التسعة بعد 8 سنوات من إطلاقها
قياس مختل
فقياس إنجاز مشاريع التنمية مختلّ أساساً، فهو مرتبط بما ينفق من مصروفات على الخطط والمشاريع، وأحياناً قليلة بما ينفذ على صعيد أعمال البناء والإنشاء أو على صعيد الإجراءات الإدارية، وليس الأهم أو الفلسفة، التي يقوم عليها مفهوم التنمية الاقتصادية أي ما بما يتحقق من عوائد ومعالجات مستدامة للاقتصاد كتنويع الإيرادات وتوطين فرص العمل أو تنمية الناتج المحلي الإجمالي، بل إن مسألة العوائد الاقتصادية تكاد تكون غير مذكورة في مضامين تقارير المتابعة، وجلّ ما يتم التركيز عليه هو الإنفاق المالي أولاً وبشكل رئيسي، وتالياً ما يتحقق على صعيد أعمال البنية التحتية وهو ما يعبر عنه إجمالي الاعتمادات المالية في المرتكزات التسعة لرؤية 2035 إذ خصصت اعتمادات مالية بـ 1.3 مليار دينار وجه 91 في المئة منها أي 1.187 مليار دينار إلى أعمال البنية التحتية.
حالة الفوائض المريحة التي رافقت انحراف خطط التنمية السابقة قد لا تكون متاحة أو ذات مرونة أقل خلال السنوات المقبلة
لا نمو
فمن خلال الأرقام والنسب والنتائج الرسمية، التي كشفها التقرير، فإن أكثر مشاريع البنية التحتية التي تتكرر في الخطاب الحكومي كبوابة للتحول الاقتصادي هي في حقيقتها لم تسجل نمواً يذكر خلال عام كامل، وهو العام الذي شهد إدارة مستقرة للفريق الوزاري الحالي، فنسبة التقدم في مشروع برنامج بناء منطقة اقتصادية دولية في شمال الكويت لا يزال يسجل صفراً في المئة على صعيدي الإنفاق المالي أو التنفيذ الإنشائي أو حتى الإطار التشريعي مقروناً بجمود لافت لأكبر مشروعين للبنية التحتية يعوّل عليهما في التحول الاقتصادي والانفتاح التجاري والشراكات الاستراتيجية، وهما مطار الكويت الجديد وميناء مبارك الكبير، إذ بلغ التقدم في الإنجاز، حسب تقرير المتابعة بالمقارنة مع نفس الفترة من العام 2024/2025 ما نسبته 0.6 في المئة لمشروع المطار الذي ارتفع قليلاً ليبلغ 65.2 في المئة كنسبة إنجاز و0 في المئة لمشروع ميناء مبارك الكبير، الذي ثبت عند نسبة إنجاز 54.1 في المئة.
والإنجاز هنا مصطلح حكومي مرتبط بالإنفاق المالي والبناء والمقاولات، وليس مفهوماً تنموياً يعني خلق شراكات اقتصادية أو تحالفات تجارية أو مشاريع خدمية، وما يترتب عليها من جذب للخبرات والاستثمارات الأجنبية، ناهيك عن خلق وظائف وفرص عمل واستثمار للشباب الكويتي، فضلاً عن تحفيز نسب الاقتصاد غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز المبادرات والابتكار... فالإنجاز التنموي في حقيقته هو ترجمة ما ينفق من أموال ومشاريع إلى خدمات ومنتجات ذات عوائد واستدامة.
الخطة التي لا تحقق عوائد اقتصادية مستدامة وتقتصر على تجميع مشاريع الوزارات لا علاقة لها بالتنمية
مشاريع ومرتكزات ومعوقات
وحسب تقرير المتابعة، يشير الموقف التنفيذي لمشروعات الخطة السنوية بنهاية الربع الأول 2025/2026 إلى أن الخطة تتضمن 141 مشروعاً لم ينجز منها أي مشروع، وبلغ عدد المشاريع التي لم تبدأ 21 مشروعاً، وفي المرحلة التحضيرية 47 مشروعاً، وفي المرحلة التنفيذية 68 مشروعاً، وفي مرحلة التسليم 5 مشاريع، أما المرتكزات التسعة التي تقوم عليها خطة التنمية، بالتالي رؤية «الكويت 2035» فهي عند مستوى متدنّ جداً أي إن متوسط نسبة إنجازها - حسب التعبير الحكومي - 2.25 في المئة فقط.
واللافت - مع الإشارة إلى الجدولين المرفقين - أن نسب متوسط الإنجاز المتواضعة مرتبطة مع إشارة الخطة إلى أنها تجاوزت 87 في المئة من المعوقات الإدارية والفنية والمالية والرقابية والتشريعية وغيرها، لكن هذا التغلب لم ينعكس على أداء الخطة أو نتائجها حتى على الصعد التي لا ترتبط بالتنمية الحقيقية.
تجميع وتصنيف وتوقف
ثمّة كثير مما يمكن التعليق عليه - ربما مستقبلاً - بشأن تفاصيل ما يسمى في الكويت خطة التنمية، وهي في حقيقتها تجميع لمشاريع الوزارات والجهات الحكومية ثم رصد ما ينفق عليها أو قياس أعمال البناء أو الإجراءات الإدارية كعدم وجود تصنيف لأهمية المشاريع، فتجد مشروع مدينة الكويت الطبية مع نفس محور أندية الفتيات، أو بند تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية مع نفس محور تطوير المكتبات، ناهيك عن فوضى خلط المناقصات والسياسات والخطط كلها تحت مفهوم المشاريع أو حتى توقف التقدم في تنفيذ أي مشروع مثل الدبدبة لتوليد الطاقة، والشقايا الثالثة المتوقف من الخطة الماضية عند 39 في المئة أو مشروع تحلية المياه بالطاقة المتجددة المتوقف عند 2.4 في المئة منذ 4 سنوات، أو مشروع خفض البصمة الكربونية المتوقف بنسبة 0 في المئة، وكل هذه المشاريع متعطلة دون تقديم الجهات الحكومية مبررات أو وجود معوقات... بالمقابل، فإن المشاريع التي تكاد أن تنجز فهي في الغالب مشاريع ليست كبرى أو جوهرية إنما فائدتها متوسطة أو أقل تنموياً مثل مرافق أبحاث تنمية الصحراء أو مكافحة السمنة عند الأطفال أو نظام المعلومات الجغرافية.
راحة وانحراف
اليوم يدخل اقتصاد الكويت مرحلة جديدة متمثلة بتصاعد إصدرات الدَّين العام بالتوازي مع توقعات أقرب إلى التشاؤم تجاه أسعار النفط العالمية، التي انعكست محلياً دون حتى توقعات الأسعار المتحفظة، مما يعني أن الحالة المريحة التي رافقت انحراف تنفيذ وحتى فلسفة خطط التنمية الثلاث السابقة منذ عام 2008/2009 من توافر الفوائض المليارية والاحتياطيات العامة وصولاً إلى عدم معالجة الاختلالات الاقتصادية، قد لا تكون متاحة أو ذات مرونة أقل خلال السنوات المقبلة... مما يجعلنا ندفع فاتورة الانحراف عن مقاصد التنمية ومستلزماتها في أوضاع مالية أو اقتصادية غير مريحة.