دراسة: تحديات قانونية وحلول مقترحة لدولة الكويت والمنطقة
بداية تُعد حقوق الملكية الفكرية (IPR) اليوم من أهم الركائز التي يقوم عليها الاقتصاد المعرفي العالمي بشكل شامل، فهي ليست مجرد نصوص قانونية، بل هي الضمانة الأساسية والجوهرية لحماية الإبداع والابتكار في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والأدب، والفنون، بما يشمل براءات الاختراع، وحقوق المؤلف الفكرية والحقوق المجاورة، والعلامات التجارية، والتصاميم الصناعية.
وفي ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم الرقمي، تواجه هذه الحقوق تحديات غير مسبوقة، تتطلب مراجعة جذرية للواقع القانوني وخطط الإنفاذ، لا سيما في دولة الكويت ومنطقة الخليج العربي.
وبدعوة كريمة من مركز الكويت للتحكيم التجاري التابع لغرفة تجارة وصناعة الكويت ومركز تدريب الملكية الفكرية بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية شاركت في ندوة علمية بعنوان «واقع حقوق الملكية الفكرية في إطار الحدود القانونية والانتهاكات الحديثة» وألقاها المحاضر د. أحمد العوشز، أستاذ القانون الخاص والملكية الفكرية، في جامعة الكويت كلية القانون.
التحديات الرقمية تتطلب استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد تجمع بين الإصلاح التشريعي والإنفاذ التكنولوجي والتوعية المجتمعية
ومن خلال استعراض الدكتور المحاضر لبعض الأساسيات القانونية وبعض الحالات الواقعية للحدود القانونية والانتهاكات الحديثة والنقاش العلمي والقانوني فإنني أود المشاركة في استعراض ما يلي:
1. الإطار القانوني لدولة الكويت ودول الخليج
تشير الأدبيات العلمية إلى أن دولة الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي قد تبنت قوانين وتشريعات متطورة لحماية الملكية الفكرية، وهي في معظمها متوافقة مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الرئيسية، مثل اتفاقية جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة (TRIPS) 1995. واتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية، 1886، واتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية، 1883.
أما في دولة الكويت، فقد صدرت قوانين مثل القانون رقم 75 لسنة 2019 بشأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وشاركت في إقرار قانون العلامات التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي، 25 مايو 2015، وهذه القوانين توفر أساساً متيناً للحماية، وقد أثمرت الجهود التنفيذية تحسين تصنيف الكويت الدولي، حيث تم رفع اسمها من قائمة المراقبة الأميركية الخاصة بالملكية الفكرية في السنوات الأخيرة، (أبريل 2022)، مما يعكس تحسناً ملموساً في جهود الإنفاذ.
2. التحديات في العالم العربي والإسلامي
على الرغم من وجود تشريعات في معظم الدول العربية والإسلامية، يظل التنفيذ الفعّال هو التحدي الأكبر. فالمسار القضائي غالباً ما يكون طويلاً ومعقداً، وغياب الوعي المجتمعي والثقافة العامة بأهمية هذه الحقوق يساهم في تفاقم الانتهاكات، خاصة في ظل سهولة النشر والنسخ في البيئة الرقمية.
3. الانتهاكات الحديثة في العصر الرقمي
يلاحظ في الآونة الأخيرة تطور شكل الانتهاك من القرصنة المادية التقليدية (مثل نسخ الأشرطة والأقراص المدمجة) إلى انتهاكات رقمية أكثر تعقيداً وخطورة، ومن أبرزها:
• القرصنة الرقمية واسعة النطاق: تشمل سرقة وتوزيع الكتب والمقالات الأكاديمية والمصنفات الفنية والبرمجيات عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي دون ترخيص.
• تزوير العلامات التجارية عبر التجارة الإلكترونية: استخدام علامات تجارية مقلدة أو مشابهة لعلامات مشهورة وبيعها عبر المتاجر والمنصات الإلكترونية، وهو ما يصعب تتبعه ومراقبته.
• انتهاكات الذكاء الاصطناعي (AI): تُعد من التحديات الأكثر حداثة، حيث يثير استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لتدريبها على مصنفات محمية بحقوق المؤلف، وإخراج أعمال جديدة شبيهة بها، إشكاليات قانونية حول حقوق الملكية ونسبة الإبداع.
• براءات الاختراع في المجال الرقمي: صعوبة تطبيق الحماية على الابتكارات المتعلقة بالخوارزميات والبرمجيات والمنصات، التي تتجاوز الحدود الجغرافية التقليدية.
4. الحلول المقترحة والخطوات المستقبلية لدولة الكويت
يتطلب التعامل مع هذه التحديات الرقمية استراتيجية وطنية متعددة الأبعاد تجمع بين الإصلاح التشريعي، والإنفاذ التكنولوجي، والتوعية المجتمعية. وعليه تم اقتراح بعض الحلول العلمية والعملية كما يلي:
1. الحلول التشريعية والتنظيمية:
- مراجعة القوانين لمواكبة الذكاء الاصطناعي: يجب تعديل القوانين القائمة لتشمل بوضوح معالجة القضايا الناشئة عن استخدامات الذكاء الاصطناعي، وتحديد مسؤولية الأطراف في حال انتهاك حقوق المؤلف أو براءة الاختراع.
- تعزيز الإجراءات الحدودية والجمركية: تفعيل أوسع لدور الجمارك في رصد ومنع دخول السلع المقلدة التي يتم تداولها عبر التجارة الإلكترونية، وتطوير آليات التنسيق السريع مع أصحاب الحقوق.
إنشاء منصة رقمية موحدة: من الأهمية بمكان تطوير منصة وطنية متكاملة لتسجيل جميع أنواع الملكية الفكرية (براءات، علامات، حقوق مؤلف) وتبسيط إجراءات التسجيل والشكاوى. ونقترح ان يكون لهذه الهيئة المسؤوليات التالية:
1) مركزية وموحدة: تجمع كافة اختصاصات التسجيل والتوعية والإنفاذ المتعلقة بالبراءات، وحقوق المؤلف، والعلامات التجارية تحت مظلة واحدة.
2) ذات كفاءة متخصصة: تستقطب وتدرب كفاءات قانونية وفنية متخصصة في الجرائم الإلكترونية والتقنيات الحديثة.
3) صاحبة صلاحية إنفاذ: تُمنح صلاحيات قوية في الضبط القضائي والتعاون المباشر مع النيابة العامة والمحاكم لتسريع إجراءات التقاضي وفرض العقوبات الرادعة.
وعليه، إن إنشاء مثل هذه الهيئة يمثل خطوة أساسية لتبسيط الإجراءات وجعل بيئة العمل أكثر جاذبية للمبدعين والمستثمرين.
2. الحلول القضائية والتنفيذية:
- تأهيل القضاء والنيابة: توفير تدريب متخصص ومكثف للقضاة وأعضاء النيابة العامة ورجال الضبط القضائي على القوانين الحديثة والتكنولوجيات الرقمية لضمان إصدار أحكام رادعة وسريعة في قضايا الانتهاك الرقمي المعقدة.
- تفعيل شرطة الجرائم الإلكترونية: تعزيز دور وحدات مكافحة الجرائم الإلكترونية وتزويدها بالتقنيات والكوادر اللازمة لتتبع مصادر القرصنة والانتهاك على الشبكة العنكبوتية.
- العقوبات الرادعة: التأكد من تطبيق العقوبات المنصوص عليها في القوانين، حيث إن العقوبات المتمثلة في الغرامة والحبس هي الأداة الأقوى للردع.
3. التوعية والتعاون:
• دمج الملكية الفكرية في المناهج: إدراج مفاهيم الملكية الفكرية وأخلاقيات التعامل مع المحتوى الإبداعي والرقمي في مراحل التعليم المختلفة.
• التعاون الإقليمي والدولي: تعزيز التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية في مجال تبادل المعلومات والخبرات لمكافحة شبكات القرصنة العابرة للحدود، واعتماد منصة خليجية موحدة لتسجيل البراءات والعلامات (كما تم اقتراحه في بعض المؤتمرات).
وبشكل عام نرى أن هناك حاجة ضرورية لإنشاء هيئة جديدة لحماية حقوق الملكية الفكرية ونقترح إنشاء هيئة وطنية مستقلة للملكية الفكرية في الكويت.
حالياً، تتوزع مسؤوليات الملكية الفكرية في الكويت بين عدة جهات، مثل:
مكتبة الكويت الوطنية: (لإدارة حق المؤلف).
وزارة التجارة: (لإدارة براءات الاختراع والعلامات التجارية).
هذا التوزيع يضعف من فاعلية النظام ككل ويؤدي إلى تشتت الجهود، وبطء الإجراءات، وتضارب في الاختصاصات أحياناً.
الفوائد المتوقعة من إنشاء «الهيئة الكويتية للملكية الفكرية» (مقترح):
1. توحيد الجهود: جمع كل فروع الملكية الفكرية (براءات، علامات، حق مؤلف، تصاميم) تحت مظلة إدارية وفنية واحدة لتبسيط الإجراءات على المبدعين والمخترعين.
2. الاستقلالية والمرونة: منح الهيئة الجديدة الاستقلال المالي والإداري اللازم لتطوير كوادر متخصصة، وتبني تقنيات حديثة للإنفاذ والتسجيل، والعمل بمرونة بعيداً عن الروتين الحكومي.
3. التركيز على الإنفاذ: تمكين الهيئة من لعب دور محوري في تنسيق جهود إنفاذ القانون مع الجهات الأمنية والقضائية والجمارك، وتكثيف الحملات التفتيشية.
4. التمثيل الدولي: تعزيز مكانة الكويت وتمثيلها بشكل أكثر فاعلية في المنظمات الدولية مثل (الويبو) والاجتماعات الإقليمية والدولية المتخصصة.
إن إنشاء هيئة مستقلة متخصصة، على غرار تجارب ناجحة في دول أخرى (مثل الهيئة السعودية للملكية الفكرية)، ليس مجرد تغيير إداري، بل هو خطوة استراتيجية لترسيخ ثقافة حماية الإبداع، وتحفيز الابتكار، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يبحث عن بيئات عمل تضمن حقوقه الفكرية بالسرعة والكفاءة اللازمتين.
في الختام، إن حماية الملكية الفكرية في الكويت والمنطقة لم تعد خياراً تكميلياً، بل هي ضرورة قصوى لضمان تنافسية الاقتصاد في ظل التحول الرقمي. فالإطار القانوني موجود، ولكن التحدي يكمن في تطوير آليات إنفاذ مرنة وفاعلة، وزيادة الوعي، والنظر الجاد في توحيد الجهود الإدارية تحت هيئة مستقلة تتمتع بالاختصاص الكامل للنهوض بهذا الملف الوطني الحيوي.
إن مواجهة التحديات الحديثة لحماية الملكية الفكرية في الكويت والمنطقة تتطلب نهجاً شمولياً والانتقال من مرحلة سن القوانين إلى مرحلة الإنفاذ الفعال والمؤسسي، من خلال دراسة جدية لإنشاء الهيئة المستقلة، وهو ما سيضمن تحويل الإبداع الكويتي والعربي إلى قوة اقتصادية مستدامة وحصن منيع ضد القرصنة والانتهاك.